إن كان فعل الفلسفة ليس شيئا اكثر من النظر في الموجودات، و اعتبارها من حيث دلالتها على الصانع، اعني من جهة ماهي مصنوعات، فان الموجودات إنما تدل على الصانع بمعرفة صنعتها، وانه كلما كانت المعرفة بصنعتها أتم كانت المعرفة بالصانع أتم.
وكان الشرع قد ندب إلى اعتبار الموجودات وحث على ذلك،
فبين أن ما يدل على هذا الاسم: إما واجب بالشرع، و إما مندوب إليه.
فإما أن الشرع دعا إلى اعتبار الموجودات بالعقل، وتطلب معرفتها به، فذلك بين في غير ما أية من كتاب الله تبارك وتعالى :
مثل قوله:(فاعتبروا يا أولي الأبصار)، وهذا نص على وجوب استعمال القياس العقلي، أو العقلي الشرعي معا.
ومثل قوله تعالى:(أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء)، وهذا نص على النظر في الموجودات…
وإذا تقرر أن الشرع قد أوجب النظر بالعقل في الموجودات واعتبارها ،وكان الاعتبار ليس شيئا اكثر من استنباط المجهول من المعلوم، واستخراجه منه وهذا هو القياس، فواجب أن نجعل نظرنا في الموجودات بالقياس …
وإذا كانت هذه الشريعة حقا وداعية إلى النظر المؤدي إلى معرفة الحق، فإنا معشر المسلمين نعلم على القطع انه لا يؤدي النظر البرهاني إلى مخالفة ما ورد به الشرع : فان الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له.
914 دقيقة واحدة