* حملت الأكوان بروحه ، قبل البداء بيوم ، لكن رحمها لم يسعه ،
فأجهضته في بوتقة الفناء الشاسعة
* غازلت عينيه – جنيناً – أجنحة الملائكة ، داعبت خديه قرون الشياطين ،
لكن أياً منها لم يفلح بأن يخيط له قماط دفء
* نما – رضيعاً – على زنود الموسيقى ، على ساعد الألوان الرقيق ، رضع من ثدي اللغة ،
نام في حجر الظلام
فابتلعه مهد العدم
* دعاه المعنى – طفلاً – فلم يستجب لدعوته ، تمسكت به أيدي الانتماء فقطع أصابعه ، لاحقه التاريخ فغاب في غار اللازمان
عندئذ شهق الله وأفضى إلى السماء ؛ “آتيناه الرؤية صبيًّا”
* اليوم شابٌ ، بقلبٍ قد شاب
أشبه ما يكون بجذع شجرة معمّرة رطبة ، مثلما تنبت عليها أزهار السيلفيا الطفيلية ، ينمو السأم المميت على هيكله
* اليوم أنا على شجرة قريبة ، فراشةٌ لقيطة سجينة ، تناظره عينيّ عبر ثقب أحدثه شعورٌ عابر في شرنقتي
أغبطه لحريته ، تلاحق نظراتي جذوره المتمردة التي بخلاف أي شجرة أخرى ، لم تمتد في الأرض بل امتدت للأعلى ، اخترقت فضاء غابتنا ، ثارت على استكانتها ، حطمت سلسلة الرضوخ النتنة فيها
.
* اليوم أرقبه بحرارة وأنفاسي تحرقُ الشرنقة الضيقة ، أشاهد كيف أن الله يقطف ثمرة قلبه من على الشجرة ليودعه في صدفة زرقاء ، ليلقي بها غداً بحرٌ هائج على شاطئ العزلة الذي سيكون مرسى سفن المعذبين والمنفيين
* غداً يحترق ما تبقى من شرنقتي
ولأني لا أرغب في أي سماء قد تحركني جناحيّ نحوها ، سأصلي للإله كي يحيلني موجة مالحة في ذلك البحر
كي أترامى بين مد الحرية وجزر القيود ،
كي ألوح لقلبه الحزين من بعيد ،
كي يتكسّر كياني كلما ارتطم بصخور المسافة ،
كي أحمل إليه حيرة موسى وصليب عيسى ودموع محمد ،
والرؤوس الطاهرة التي نحرتها ترهات رجال المنابر ، والدماء التي أريقت فداءً للحقيقة ،
كي أتزين بالبنفسج …
كلما لمع لقلبي وميضُ أسرار قلبه