[يلتقي دانتي كاتب هذه الأنشودة الأخيرة]
كنت أتدحرج باندفاع كبير، مثل كرة، من مكان شاهق. لم تكن ثمة بوابة، وضع عليها اسم هذا المكان، الذي سقطت فيه. لكنه كان واضحاً تماماً، فالنار هي النار، والجحيم هو الجحيم. مشيت خائفاً،
والعرق يتصبب مني، ورحت أفكر في السبب، الذي أوصلني إلى هنا. من طفولتي، وإلى آخر يوم في حياتي، الذي اكتشفت أنني لا أتذكره، لم أجد إلا سببًا واحدًا، جعلني أضحك بسخرية. انتبه لضحكتي أحدهم وناداني باسمي، التفتُّ له مرتعباً، ورغم إني أراه للمرة الأولى، قلت له كمن يعرفه “دانتي” فابتسم لي بوداعة من يعرفني. أخذني من يدي، ومضينا سويًّا. في البدء، كان الصمت ثالثنا. ولكن بعد عدة دقائق، سمعت أصواتًا مخيفة، جمع غفير، يتأوهون في وقت واحد، وشعرت كما لو أن هناك ريحًا قادمة، تخرج فقط من أفواههم. سألتُ دانتي كي أتجاهل هذه التنهدات، كيف وصلت إلى هنا، كيف لم تخرج بعد؟ فقال لي بنبرة ساخرة، لقد خدعني مرافقي، وأدركت حينها، أن الجحيم هو أن تكون وحيدًا. لم أفهم ماقاله تمامًا، وكدت أنشده توضيحًا، لولا أنه سألني : وأنت أيها الشاب، أخبرني مالذي جاء بك إلى هنا؟ فكان جوابي : كنت قد كرهت أحدهم، وفي لحظة مقت شديدة، قلت له، أتمنى أن تدخل الفردوس، لأنني لا أريد أن تكون معي في الجحيم. وقد تلقت دعوتي هذه قبولاً عند السماء، أنا الذي دعوت ملايين الدعوات الصادقة، لم تستجب لي إلا هذه. عندها ضحك دانتي، وضحكت معه، كأن كل ما يحدث بيننا الآن، محض سخرية. مشينًا معًا في طريقٍ وعر، وبدأتُ أقترب من ذلك الأنين، الهواء خانق، والجو ضبابي بفعل ألسنة النار. “انظر هناك، هؤلاء العراة كانوا يلبسون كل ما هو ثمين” اقتربنا منهم، وبدأتُ بالتعرف عليهم، واحدًا واحدًا، قال لي دانتي:
إنهم جميع الحكّام، الذين حكموا الملايين، بالظلم، ها هو الآن يحكمهم واحد، بالعدل. وسيذيقهم من نفس العذاب. هتلر من بينهم، ستالين، بوش، بوتين، ترامب، كم جونغ أون، بشار الأسد، القذافي، صدام،
والكثير من الأسماء التي جاءت في رأسك عزيزي القارئ، ولكن أنشودتي لا تحتمل كل الأسماء. أكملت المشي في طريقي، ووجدت على يميني بحرًا من نار،
سألتُ دانتي عنه، فأجابني أن هذا البحر مخصص لكل أولئك المطمئنين، الذين لم يتجرعوا عناء الشك والبحث والسؤال عن الحقيقة، لأنهم ظنوا أنهم وصلوا إلى الحقيقة، في حين أن الحقيقة، كل الحقيقة، لا أحد يعلمها. التفت للجهة اليسرى، ورأيتُ كل أولئك الذين خوفونا بالنار، كانت لحاهم الطويلة تحترق، ولم يجدوا الحوريات التي لطالما بشّروا بهن، هناك ساحرات، لم أرى أجمل منهن، جميلات، بطريقة مؤذية. رأيتهن يقشرن أعضائهن، كما تقشر البطاطا، الدم ينزف بغزارة، وأنا لهول ما رأيت جعلت أتحسس عضوي. أطلقت قدماي للريح، وبدأت أهربُ دون وجهة محددة، متخليًا عن دانتي وجحيمه. الرعب يملؤني، وتغزوني صور الذين ظننتهم في الجنة، في حين أني رأيتهم ينالون أقسى العذابات هنا. أكثر ما شدني من بين الصور الدموية، صورة واحدة بدأت تسيطر على رأسي ؛ الشيطان، وحيدًا في الجنة، يأكلُ تفاحة. سقط كتاب “الكوميديا الإلهية” من بين يدي بقوة، استيقظتُ مفجوعًا، قمت بتعديل نظارتي، نظرتُ حولي، لم أكن في الجحيم، تنفست الصعداء، ورحتُ أنظر للسماء، حيث النجوم.