الزّاهرات العواتم – سوزان عليوان

ها هي البلاد تتفتّت

أرغفةً يابسة تحت المطر.

لا بأس.

الأصابع واهنة

عصافيرنا عطشى

وأفواه بأعداد مهولة

بأسنان بهشاشة أوطان.

وإن غدا أديم الأرض الغاربة

بيت المعرّي بين أقدامنا

وصارت خرائطنا مراكبَ ورقيّةً

لضحكات في أكفان،

في عينيك زاهرات عواتم

بهالات هدايا تحت شجرة ميلاد،

وفي دمعتي وكأسي

ما يفيض عن حاجة غريق.

*

لفرط البحر في الحكاية

كلّ ما بيننا ملح على جرح:

القمر الواطئ

الجِلْد على الجِلْد

الجثث الطافية والرايات

الأزرق المراوح مكانه،

والماء في مثل قصّتنا

لا يروي.

*

لصقيع الفجر أبتسم

كما لصديق قديم.

قلادتك طائر في عنقي،

نصف ملامحي في مرآة.

مثل هذا الليل حصان

حوافره تحفِر روحي.

بهذه الأطراف الطافـئة

كيف أُحْصي كم أحببتك؟

*

لمقهى الأقدار المتقاطعة

قلبُ صفصافةٍ على رصيف،

وعيونُ عصافيرَ عاكسةٌ

لشارع كنّا

تحت ورقه الأصفر عشّاقًا.

على أطلال أقف

حيث الطريق أطول من طفولتي وشالك

وعُكّاز الكون شجرة لوز مزهرة،

مُسرعةً تعبرني سيّارات الضواحي

مواسم الكراسي الموسيقيّة.

*

باريس مطر يتساقط.

ليل موحل، شوارع ممحوّة.

شجر فاحم لفَرط وحشته

بلُعب الورق يتسلّى

لو أنّ يدًا تعلّق نجمة ما

على شجرة الوجود

في بهو الفندق المُعْتِم، أفاجأ بوجهك المفتّت

جالسًا أجدك

على مَقعد عتيق،

متدثّرًا بعطر عاتب وفراء،

بائسًا ومبتسمًا

مثلَ ملك على دمعة.

لولا العصافير على أكتافها،

من يحدّث التماثيل؟

*

غرفة بغموض غيمة، ممرّ مضاء بك

أمام الأبواب الخاطئة، ماذا نفعل بمفتاح؟

صوتك بَوْصَلتي

ضحكتك تضيّعني.

باب أبيض، سرير ونافذة.

أقنعتنا على الأرض.

ملاك الحبّ يضحك

عاريات ماتيس

ملء الهواء.

*

الجِلْد أعمق من العظام

من منّا جمجمته في المرآة؟

حدّثني عنك وعنّي.

الخوف ظلّنا على هاوية

الذكرى فاصلة في كتاب

ما يؤلم، يؤلمنا الآن.

*

الشجر وسن الشوارع

ويداك مُدْهامَّتان.

كأس ومكسّرات مالحة

ويداك عروتان تعرّيان الحبّ

من شال أصفر حول عنقه.

لكنّ الكلام أكثر من نافذة،

لكنّ الكلام أقلّ من شفاء

للمطر ألواح لازورديّة

لقمر الضواحي

باقة ورد تحت البَرَد

وللملاك الكسول الذي تلكّأ كلّ هذا الليل

من غابة سان ــ كلو

إلى ساحة المِقصلة والمِسلّة والحمام

عذر المسافة الماطرة

وساقان من ورق.

*

لك البرج الذي يزهر، على عشب، دون جذور

لك الضِفّة الأجمل بأشجارها

وعازفو الكمان الموزّعون

كقنّاصة بلادنا، على أسطح زرقاء

زوارق الضوء لك

والسيمفونيّة الثانية والأربعون

تلك التي لم يعش ليبصرَ عصافيرها موزار

لك القمر في بصلة محلّاة

لك الشمس في باقة عاشق

لك الأغاني الحبيسةُ حتّى تَفَتَّحَ وجهُك

لك حُضنة العصفور

ولك بداهة نهر

أنت الذي بأهدابك تنقّي

وجهينا من الغيم الحزين..

*

في الساحة القريبة

ملوك محفورون على حجر.

وجوه متماثلة، يلطّخها روث الطيور

كم هو وحيد في هذا الليل

ذلك الملك الشمس

على حصان ساكن،

وعلى رأسه حمامة..

*

أيقظني مطر لأراك

شجرةً تظلّل حطّابي.

قلتُ: بين بِلّور وضباب..

.لكنّ ظلّي أخذ يبكي

خَشْيَةَ أن تتساقط دموعي

كأطفال أمامك

قلتُ: أنا نهر.

*

لك لين صلصال
بين أصابعَ صغار

أيّة يد
تصنع منك ما تشاء

بيت

آنية زهر

حزن من خزف، بزخارف مبهمة

كدمعةٍ على العالم

مثلُ مرايا مهشّمة

بين أجفان مِشْكال

*

باريس مطر يتساقط

وها هم يسقطون معًا:

الطغاة، والأطفال المطمورون بثلج الطريق.

اللغة من حجر، اللغة معلّقة،

وليستِ النجوم مدافئ

لملاجئ ترتجف على الحدود

كلّ هذا الليل عيناك

وهذه حصّتي من حصّالة القمر:

قصيدة بصوتك المتّقد المتردّد

أعلم أنّك كتبتها لسواي.

من ديوان: ” الحب جالس في مقهى الماضي ( 2014 ).”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى