إلهُ الباب – نزيه أبو عفش

أشخاص:
بلدان:

الآن، وقد غابت شمسي، أتذكَّرُني!
الآن، وقد مالتْ أغصاني وتنكَّرَ قلبي لي، أتذكَّرُني.
الآن، وقد أُقفِل دوني بابُ الأبوابِ وغادَرَني أصحابي
أتفقَّدُني…
فأراني أعْتَمْتُ وصرتُ وحيداً.

والآن، وقد أَعتمتُ وصرتُ وحيداً،
أنهضُ عن كرسيِّ نعاسي كالقرصانِ المخمورِ…
فأشعِلُ قنديلي وأعلِّقهُ في سقفِ البيتِ.
أُعدُّ رغيفي الحامضَ… وأرتبُ أقداحَ شرابي.
أَنقلُ كرسيَّ الضيفِ إلى حيث يضيء المصباحُ جبينَ الضيفِ
فينعسُ في السرِّ.
أُعدُّ فِراشَ المرأةِ.
أنفضُ – عمَّا نسيَتْهُ المرأةُ فوق الصندوقِ – غبارَ غيابِ المرأةِ…
ثم أُلمِّعُ ضحكةَ عينيَّ وقلبي وزجاجاتِ نبيذي
وأَقوم إلى حيث البابُ لكي أفتح بابي
وأصلِّي لإله البابِ
لعلَّ إذا صلَّيتُ له
يَدْخلهُ “لاأحدٌ” ما.

… … … … … … … …
الآن، وقد أعتمتُ وصرتُ وحيداً…
“لاأحدٌ” يأتي؟!…
“لاأحدٌ” لا يأتي.
… … … …
… … … …
الآن، وقد غامتْ شمسُ الناسكِ
وانفضَّ ربيعُ المرأةِ
وتفرَّقَ شملُ الأصحابْ…
أدعو لإلهِ البابْ
أن يسندَ شمسَ الناسكِ كي لا ينعسَ قلبُ الناسك…
أدعو ألاَّ يخذلني، من خلفِ الباب، إله البابْ
أدعو… وأَشُدُّ البابْ
أدعو… وأشدُّ
وأدعو.. وأشدُّ
(لعلَّ…..)
فلا ينفتحُ الباب…
… … … …
… … … …
– هل من “لاأحدٍ” خلف البابْ؟…
– ما من “لاأحدٍ” خلف البابْ
محضُ هواءٍ أسودَ… وغرابٍ كذَّابْ
يزعمُ أنِّي صاحبُهُ!…
وأنا وحدي أنعسُ تحت القنديلِ
(انطفأَ القنديلْ!…)
خلف البابِ… أنا.
قُدَّام البابِ… أنا.
فوق الكرسيِّ… أنا.
تحت النور… أنا.
فوق سرير المرأةِ، فوق الصندوقِ، على الشرشفِ،
قُدَّام المرآةِ: أنا… وأنا…!
ونبيذي قُدَّامي
والخبزُ الحامضُ قُدَّامي
ورمادُ الضحكةِ والقلبْ…
وغبارُ الأشياءِ يواسي فوضى الأشياءْ.
فإذنْ ماذا أفعلُ يا ذا “اللاأحدُ” الكذَّاب؟…
ماذا أفعلُ؟…
أرفعُ كأسي
كي أشربَ في صحةِ نفسي
ثم أقولُ: تفضَّلْ
يا ذا “اللاأحدُ”
الواقفُ
يتلصَّصُ
من ثقبِ البابْ.


* نزيه أبوعفش

زر الذهاب إلى الأعلى