وهُنا لا بدَّ من قولِ بعضِ الكلماتِ عن السَّأم، هذا الشُّعور الذي سأتحدَّث عنه في كثيرٍ من الصَّفحات التي أخطّها.
فأنا لا أزال أذكر، إذا لم تخنِّي الذاكرةُ، إني قد تألَّمت كثيراً من السَّأم. ولكن يجب علينا أن نتفاهمَ أولاً على ما أعنيهِ بهذهِ الكلمة.
فهي تعني لكثيرٍ من النَّاس أنها عكسُ التَّسليةِ والتسليةُ تعني الشُّرود والنِّسيان، ولكن السَّأم لا يعني لي عكس التسلية، بل يمكنني القول إنه يشبهُ التسلية في بعض مظاهرهِ وذلك بما يخلِّفه من شرودٍ ونسيان ينتميان بالطَّبع إلى فئةٍ معينةٍ جداً.
فالسأم في نظري أنا هو نوعٌ من النَّقص أو عدم الانسجام أو فقدان الإحساس بالواقع، فمثلاً إن الإحساسَ بالواقع، حين ينتابني السأم، يُحدث بي ما يحدثهُ بالنَّائم الغطاء القصير جداً في ليلةٍ باردة من ليالي الشِّتاء، فإذا هو سحبَ الغطاء إلى قدميه أحسَّ بالبرد في صدره، وإذا رفعه إلى صدره أحس بالبرد في أقدامه، فتراه لا يستطيع النومَ بهدوء.
ومثالٌ آخر إن السأم الذي أشعر به شبيهٌ بانقطاع التَّيار الكهربائي في المنزل.
فكل شيء يبدو واضحَ المعالم، فهنا الكراسي وهناك الأرائكَ والخزائن والمناضد واللوحات والأبواب والشَّبابيك، وفجأةً وفي لحظةٍ تاليةٍ يختفي كل شيء ولا يبقى إلا الظَّلام الدَّامس والفراغ.
كذلك يمكن تشبيه سأمي بالمرضِ للأشياء، فهو عبارةٌ عن ذبولٍ أو نقصٍ في الحيويةِ بشكلٍ مفاجيء، فكأنَّك ترى في لحظةٍ واحدةٍ زهرةً نضرةً تذبلُ وتتفتَّت…
لقد قلت أن الشعورَ بالسأم يبعثُ فيَّ الشعور بعدمِ جدوى واقعٍ ناقص، أي عاجزٍ عن إقناعي بوجودهِ الفعلي.
فقد يحدث مثلاً أن أنظرَ إلى كأسٍ في شيءٍ من الانتباه.
فعندما أقول إن هذا الكأس هو عبارةٌ عن وعاءٍ من البِلُّور مصنوع ليحوي سائلاً ويُرفع إلى الفم دون أن يندلقَ، فعندما أقدر على تصوُّر هذا الكأس وأنا مقتنع تماماً، فسيبدو لي هذا القدح وقد فقد كثافتهُ بالشَّكل الذي أتصوَّره به، أو عندما يبدو لي كشيءٍ غريب لا يوجد لي أي علاقة به، وبكلمةٍ أخرى، إذا بدا لي حاجةً غير معقولة، فعندئذ أشعرُ بهذا السأم الناجم عن هذه الَّلا معقولية.
فهذا السأم يعني عدم الترابط والعجزِ عن الإفلاتِ منه.
ألبرتو مورافيا