لكن الإقصاء الذي فرضته على نفسي من أهداف الحياة وحركاتها، والقطيعة التي حاولت تحقيقها في اتصالي بالأشياء قادتني بالضبط إلى ذلك الذي حاولتُ الفرار منه. أنا لم أرغب في الإحساس بالحياة، ولا في ملامسة الأشياء، عارفًا، بتجربة مزاجي إزاء عدوى العالم الخارجيّ، أنَّ الإحساس بالحياة كان دائمًا مؤلمًا بالنسبة إليّ. لكنني عند محاولتي تفادي ذلك الاتصال بالعالم، حكمتُ على نفسي بالعزلة، وبانعزالي، فاقمتُ من حساسيتي المفرطة. لو كان بالإمكان قطع الصلة بالكامل مع الأشياء لوافق ذلك تمامًا حساسيتي، لكن تلك القطيعة الكاملة لا يمكن تحقيقها… وهكذا، وبمفاقمتي لحساسيتي بواسطة العزلة، جعلت أقل الأحداث شأنًا تُحدث فِيَّ الأثر الذي تُحدثه الكوارث. لقد أخطأتُ السبيل المناسب للهروب. اخترتُ الهروب، بواسطة، لفٍّ غير مريح، صوب المكان نفسه الذي كنت فيه، مع تعب السفر ومع رعب الحياة هناك.
لم أفكّر البتة في الانتحار باعتباره حلاً، لأنني أبغض الحياة بسبب عشقي لها. لقد صرفتُ وقتًا طويلاً في محاولة إقناع نفسي بهذا الخطأ المؤسف الذي أحيا فيه مع ذاتي نفسها. وباقتناعي به، ظللتُ متوعكًا بَرِمًا، وهو ما يحدث لي دائمًا عندما أقتنع بشيء، لأنّ الاقتناع هو دائمًا عندي، فقدانٌ لوهمٍ من الأوهام.
لقد قتلتُ الإرادة بقسوة تشريحي لها. مَن سيُعيدني إلى طفولة ما قبل التشريح، بل حتى ما قبل الإرادة!
في حدائق حلمي الميت، إغفاءة المستنقعات تحت الشمس العالية، حيث ضوضاء الحشرات المحتشدة في اللحظة، يُثقل عليّ العيش مثل ألمٍ فيزيقيّ ينبغي أن ينتهي.
قصورٌ نائيةٌ جدًا، غاباتٌ منخطفة، الممرات الضيقة في البعيد، الظرافة الميتة للقواعد الحجرية للأبهات الميتة، الظرافة التعسة، بهرجةٌ ضائعة. أيتها الرغبة التي أهملتها. ليتني استطعتُ استرجاع المرارة التي بها حلمت بك!