أنا أستقيل من الإنسانية. لم أعد أريد أن أكون، و لم أعد قادرا على أن أكون إنسانا. ماذا سأفعل؟ أخدم الأنظمة الاجتماعية و السياسية؟ أسود حياة امرأة؟ أتصيد نقاط الضعف في النظم الفلسفية، أناضل من أجل القيم الأخلاقية والجمالية؟ كل ذلك هراء. أنبذ إنسانيتي، حتى و إن كنت سأجد نفسي وحيدًا. و لكن أنا وحيد على كل حال في هذا العالم الذي لم أعد أنتظر منه أي شيء.
.
مهما يكن مؤلماً عذابي، مهما تكن شاسعة وحدتي، المسافة التي تفصلني عن العالم لا تفعل شيئاً سوى أن تجعله متاحاً أكثر. بالإضافة إلى أنني لا أستطيع أن أعثر فيه لا على معنى موضوعي أو غيبي، الوجود على تعدد أشكاله لم يكف أبداً عن أن يكون مصدراً لكل من الحُزن والسرور. أحياناً جمال زهرة يكون كافٍ ليبرر في عيني مبدأ غائية الكون,بينما في الأشياء أخرى أصغر غيمة تعكر صفو السماء، تشعل من جديد تشاؤمي القاتم. هؤلاء الذين يتعمقون بإفراط يكتشفون المعاني الرمزية في أتفه مظاهر الطبيعة.
.
هل يعقل أنني أحمل بداخلي كل الذي رأيته في حياتي؟ إنه لأمر مُروع حين نفكر في أنَ كل تلك المناظر,الكتب,الأهوال والإشراقات قد كدست في عقل واحد. أشعر كما لو أنها نُقلت إلي كوقائع وأنها تثقل كاهلي. أحياناً أشعر بأني تخطيتها وأفضل أن أنساها كلها. الإستبطان يقود إلى إنهيار داخلي لأن العالم يخترقك ويسحقك بثقله الطاغي,فهل من المستغرب أذن أن يلجئ البعض إلى أي شيء-من الابتذال إلى الفن-في محاولتهم للنسيان؟
.
كنتُ في السابعة عشر، وآمنتُ بالفلسفة. وكل ما كان لا يمتُ إليها بصلةٍ بدا لي إما خطيئةً أو حِطة: الشعراء؟ مشعوذون لا يصلحون سوى لإبهار امرأة ساذجة؛ الأفعال؟ حماقاتٌ بدافع من الهذيان؛ الحبّ، الموت؟ أعذارٌ منحطةٌ للتملصِ من شرفِ المفاهيم. روائحٌ كريهة لكونٍ لا تليقُ به روائحُ العقل . . . المحسوس؟ يا له من قذارة! البهجة والمعاناة، يا لهما من عار! وحدهُ التجريدُ بدا نابضًا بالحياة: وضعتُ نفسي في خدمةِ مآثر مُتعالية لئلا تجعلني مواضيع أكثر نبلا أنحرف عن مبادئي وأستسلمَ لانحطاطِ القلب. قلتُ لنفسي مرارًا وتكرارًا: وحدها دار الدعارة متوافقة مع الميتافيزيقا، واتجهت – هربًا من الشعر- إلى عيون الخادمات، إلى غنج العاهرات.
.
نحن جميعًا وقوف في نقطة العطالة، وقد تساوينا في السقوط في تلك السذاجة التي يتشكل فيها الهذيان حول المستقبل. مع طول المدّة تصبح الحباة خانقة بدون يوتوبيا، على الأقل بالنسبة إلى الجموع، ولا بدّ للعالم من هذيان جديد كي لا يتحجر. تلك هي البداهة الوحيدة التي نخرج بها من تحليل الحاضر. في انتظار ذلك نظلّ نحن هنا في وضع لا يخلو من غرابة. تخيل مجتمعًا مزدحمًا بالشكوك، حيث لا أحد يؤمن تمامًا بأي شيء باستثناء بعض التائهين، وحيث يدّعي الجميع وقد خلوا من أي معتقد أو يقين، الانتساب إلى الحرية، دون أن يحترم أي منهم شكل الحكم الذي يدافع عنها ويجسدها. إنها مُثُلٌ دون مضمون، أو لنقل كي نستعمل عبارة لا تقل خلطًا، أساطير دون ماهية. أنت تشعر بالخيبة أمام وعود ما كان لها أن تُنجز، أما نحن فنشعر بالخيبة لغياب الوعود أصلا.
.
.
.
لا نجد في المفهوم ولا في النشوة أية فعالية. عندما تلقينا في الموسيقى صميم الوجود، نعود سريعا إلى السطح: تتبعثر بقايا الوهم وتقر معرفتنا ببطلانها. الأشياء التي نلمسها والأشياء التي نرصدها مشكوك فيها بنفس مقدار الشك بحواسنا وبمنطقنا، نحن متأكدون فقط من كوننا الكلامي الخاص، الخاضع لإرادتنا—الغير فعلي. الوجود صامت والعقل ثرثار. هذا ما يسمى “فهما”.
.
.
.
محرك جميع أعمالنا يمكن في تلك الحاجة لإجلال نفوسنا باعتبارها مركز الكون ومحركه، نهاية التاريخ. ردود أفعالنا وطريقة استجابتنا لكبريائنا، تحول الكوكب إلى جزء لا يتجزأ من جسدنا ومن وعينا بما نحن عليه. لو كان لدينا الوعي الصحيح بمكانتنا في العالم، لو وعيناها دون فصلها عن مجمل الحياة ككل؛ فإن انكشافَ حضورنا التافه كفيلٌ بسحقنا. لكن أن نعيش يعني أن نعمي عيوننا على أبعاد وجودنا. فلو أن جميع أفعالنا من التنفس إلى تأسيس الإمبراطوريات أو النُظم الميتافيزقية، لو أنها لم تنطلق من وهم عظمتنا وأهميتنا، ومن باب أولى، من غريزة النبوءة، من كان ليتقدم برؤية شاملة مستمدة من بطلانه، من كان ليتقدم ليكون مؤثراً، وليجعل من نفسه مُخلصاً؟
.
.
.
الشيطان نفسه يتضائل أمام إنسان يملك حقيقة، حقيقته الخاصة. نحن غير منصفين تجاه نيرون وطيباريوس : لم يكونوا هم من اخترع مفهوم الهرطقة، لقد كانوا مجرد حالمين منحطين تسلوا بالمذابح. المجرمون الحقيقيون هم الذين أسسوا الأرثدوكسية على المستويين الديني و السياسي، إنهم الرجال الذين بزغ نجمهم بين المؤمنين والمنشقين.
.
.
.
هناك نوعان من العقل: النهاري والليلي. لا يتشابهان في النوعية ولا في الأخلاقية. تراقب نفسك في وضح النهار وتجود بما لديك ليلاً. النجعاعة أو العواقب الفظة تهم قليلاً الرجل الذي يُسائل نفسه عندما يكون الآخرون فريسة للنوم، وعليه فهو يتأمل بناء على الحظ السيئ لكونه قد ولد، دون مبالاة بأي أذى يمكن أن يسببه للآخرين أو لنفسه. بعد منتصف الليل يبدأ سُكر الحقائق المدمرة.
.
.
.
خطيئة الطبيعة الكبرى هي في أنها لم تحصر نفسها في مملكة واحدة: جنباً إلى جنب مع الخضراوات وكل ما يبدو تائهاً في غير محله. كان على الشمس أن تستاء منذ ظهور أول حشرة، وأن تقضي علي كل شيء في آن واحد مع مجيء الشامبانزي.
.
.
.
أسأل نفسي لماذا يعاني بعض البشر فقط! لماذا هناك قلة مختارة من بين جموع البشر لتعاني وتعلق على رف المعاناة! تقترح بعض الأديان أن الله يختبرنا من خلال المعاناة، أو أننا نُكَفر من خلالها عن شرورنا ولا إيماننا! إذا كان مثل هذا التفسير يرضى الإنسان المتدين، فأنه غير كافٍ بالنسبة لأي شخص يلاحظ ظلم وتعسفية المعاناة، وأن الأبرياء هم أكثر من يعانون، ليس هناك أي تبرير مقبول للمعاناة!
.
.
.
أبدأ بكتابة رسالة مراراً وتكراراً، ولا أصل إلى أي شيء: ماذا أقول وكيف أقوله؟ ولا أعود أذكر حتى لمن كنت أكتب. وحدها العاطفة الحميمة أو كسب النقود تجعلك تجد النبرة المُناسبة. لسوء الحظ الانفصال لامبال باللغة، مُتبلد مع الكلمات. حالما نفقد الاحتكاك بالكلمات؛ نفقد القدرة على التواصل مع الكائنات البشرية.
.
.
.
في تلك الأيام عندما جلست طوال شهر على دراجة هوائية أتنزه حول فرنسا، مُتعتي الكبرى كانت في أن أتوقف في منطقة مَقابر، ,في التمدد بين قبرين، والتدخين لأربع ساعات -في النهاية – أظن أن تلك الأيام كانت الفترة الأكثر نشاطاً في حياتي.
.
.
.
إذا كانت الحياة تحتل المركز الأول في سُلم الأكاذيب؛ فالحب يأتي بعدها مُباشرة. كذبة داخل كذبة هي التعبيرعن موقفنا الهجين. الحب محاط بأدوات غبطى وتعذيب تعود إلى ما نجده في أحدهم كبديل لأنفسنا، لكن يالها من خدعة تُحول عيوننا بعيداً عن العزلة! هل هناك أي خيبة أكثر إذلالاً للعقل؟ الحب مُسكن مؤقت للمعرفة. اليقظة والمعرفة تفتلان الحب. اللاواقعية لايمكنها أن تنصر إلى ما لانهاية، حتى بتقنيع المظاهر لأكبر كذبة تمجيداً. علاوة على ذلك من الذي لديه أوهام صلبة بما يكفي ليرى في الآخر ما لم يره عبثاً في نفسه؟ أيعقل أن نجد في تنور من الأحشاء ما لم نجده في الكون؟!
.
.
.
لا أستوعب لماذا علينا أن نقوم بأعمال في هذا العالم؟ لماذا علينا أن نحظى بأصدقاء وتطلعات وأحلام وآمال؟ ألا يكون من الأحسن أن ننسحب إلى زاوية بعيدة عنه، حيث يكف إزعاجه وتعقيداته عن الوصول إلينا؟ عندها يمكننا اعتزال الثقافة والطموح، سنخسر كل شيئ ونحظى بلا شيئ .ما الذي يمكن كسبه من هذا العالم؟ هناك أشخاص لا يكترثون بالتحصيل، فاقدو الأمل وتُعساء ووحديين. نحنُ قربيون جدأً من بعضنا بعضا! ولحد الآن لم ننفتح بالكامل على بعضنا، نَقرأ في أعماق أرواحنا، كم مصير من مصائرنا يمكن رؤيته
؟ نحن وحيدون في الحياة إلى حد أننا لا بد من أن نسأل أنفسنا – أليست وحدة الإحتضار هي رمز الوجود البشري؟! هل يمكن أن يكون هناك خلاصة في اللحظة الأخيرة؟ القابلية للعيش والموت ضمن المجتمع علامة على نَقيصة عظيمة، إنه لأفضل ألف مرة أن تموت وحيداً ومهجوراً في مكان ما حيث يمكنك الموت دون ميلودراما المواقف -لا يراك أحد-. أحتقر البشر الذين يتمالكون أنفسهم على فِراش الموت ويتصنعون أوضاعاً تترك إنطباعات. لا تكون الدموع حارقة إلا في خلوة العزلة، هؤلاء الذين يطلبون أن يحاطوا بالأصدقاء وهم يحتضرون، عاجزون عن عيش لحظاتهم الأخيرة مع أنفسهم، يريدون نِسيان الموت في لحظة الموت! يفتقرون إلى الشجاعة اللانهائية. لمَ لا يقفلون الباب ويقاسون تلك الأحاسيس المُغيظة بضفاء وخوف يتجاوز كل الحدود؟! نحن معزولون عن كل شيئ! لكن أليس كل الأشياء بعيدة عنا بالتساوي؟ الموت الطبيعي والأعمق هوالموت في العزلة، عندما يصبح حتى الضوء مبدئاً للموت. في لحظات كهذه نكون مفصولين عن الحياة،عن الحب،الأصدقاء، وحتى عن الموت! وستسأل نفسك هل هناك شيئ وراء لا شيئية العالم وخلف لاشيئك الخاص.
.
.
.
أشعر بأني سأنفجر بسبب كل ما تقدمه لي الحياة..من إحتمالات الموت…أشعر بأني أموت من الوحدة، من الحب،من اليأس، من البُغض، من كل ما يهبه لي هذا العالم. ومع تجربة كل يوم أتضخم كبالون يُنفخ بأكثر مما يحتمل، والتفاقم الأشد ترويعاً ينفجر في الفراغ. تنمو بالداخل، تتوسع بجنون حتى تختفي جميع الحدود، تبلغ حافة النور حيث النور مسروق بواسطة الليل، وعند هذه الكثافة وكما في إعصار وحشي تُرمى رأساً في اللاشيئ. تلد الحياة كل من الخصوية والخواء،الغزارة والكساد. ما نحن عندما نواجه إعصار داخلي يبتلعنا داخل العبث؟ أشعر بأن حياتي تُسحق بداخلي من الحِدة الزائدة، من اختلال التوازن المُبالغ فيه. إنها متل إنفجار لا يمكن احتوائه، والذي يلقي بك في الهواء مع كل الأشياء. على حافة الحياة لا تعود تِشعر بأنك سيد الحياة التي بداخلك، أن الذاتية وهم، وأن القوى المُتعذر ضَبتها تَغلي بداخلك . تتطور دون أي علاقة بالتحديد،أو مركز الشخصية، أوالإيقاع الفردي، على حافة الحياة كل شيئ مُناسبة للموت. يقتلك كل ما هو موجود وكل ما لم يوجد.كل تجربة في هذه الحالة هي قفزة في اللاشيئ، عندما تكون قد عِشت كل شيئ قدمته لك الحياة في نوبة من الحِدة الخارقة؛ تكون قد بلغت تلك المرحلة حيث لا تعود قادراً على اختبار أي شيئ؛ لأنه لم يتبق شيئ. وحتى إذا لم تكن قد استنفذت جميع إمكانيات هذه التجارب، يكفي أن تكون قد عشت واحدة جوهرية لأقصى حدودها، وعندما تَشعر بأنك تموت من الوحدة ، اليأس، وحتى الحب..كل ما كنت قد مررت به ينضم إلى موكب الحزن الذي لاينتهي.
.
.
.
الشعور بأنك لا تستطيع البقاء على قيد الحياة، يشبه إعصارًا ينشأ جراء الدخول في مستوى من النقاوة الداخلية. يشتعل لظى الحياة في فُرن مغلق حيث الحرارة لا يمكنها الهروب.هؤلاء الذين يعيشون في مستوى ظاهري أمنون من هذه الأخطار ، لكن هل لديهم شيئ لينقذوه في حين أنهم ليسوا واعيين بأي خطر؟ جيشان التجربة الباطنية يقودك إلى منطقة حيثُ الخطر مُطلق-لأنه وحدها الحياة الواعية بنفسها والتي تُثبت جذورها بالتجربة قادرة على إنكار نفسها. الحياة جد محدودة ومُتشظية كي تتحمل الضغط والتوتر الهائل.. ألم يَشعر جميع الصوفيين بأنهم سيموتون بعد حالات النشوة القوية؟ ما الذي يمكن أن ينتظره من هذا العالم هؤلاء الذين يدركون ويستشعرون أبعد من الحدود العادية؟ الطعام؟ الوحدة، اليأس، الموت؟!
.
.
.
من لا يفهمون التعبيرات ذات الطابع الكوني ، يرون -حسب تأويلاتهم السوقية- الغنائية ثانوية ووضيغة ونتاجا للاضرابات العقلية، هذه الطريقة أو الرؤية، تَفشل في ملاحظة شاعرية المصادر للذاتية، والتي تُظهر عمقا وغنا جوانيين. هناك أشخاص يصبحون شاعريين فقط في لحظات مصيرية من حياتهم، البعض فقط عبر مخاض الموت،عندما يظهر ماضيهم كله أمامهم فجأة ويضربهم كشلال. والبعض يصبحون شاعريين بعد تجارب مُحرجة وحاسمة، عندما يصل الاضطراب داخلهم إلى الذروة،هؤلاء الأشحاص الميالون طبيعياً إلى الذاتية أو اللاشخصية،الغرباء سواء بالنسبة لأنفسهم أو الواقع،عندما يخطفهم الحب يختبرون مشاعر تُحفز جميع مصادرهم الداخلية. حقيقة أن الجميع تقريبا يكتبون الشِعر عندما يعشقون، من شأنها اثبات أن مصادر التفكير -الأفهومي/التجريدي ضعيفة أمام التعبير عن اللا محدودية الداخلية، أن الميوعة وأدوات التعبير اللاعقلانية وحدها قادرة على أن تمنح الغنائية تجسيدا ملائما. تجربة المعاناة حالة مشابهة جدا؛ إذ لطلما كنت غافلا عن المطروح المخفي في داخلك والعالم ، كنت تعيش مُقتنعاً ومكتفياً بالأشياء الظاهرة، عندما فجأة تجد مشاعر المعاناة هذه والتي كانت ثانوية لديك حتى على الموت نفسه تتولى زمام ـمورك وتنقلك إلى منطقة من التعقيدات اللانهائية تؤدي بذاتيتك إلى اضطراب هائل. أن تكون شاعرياً من المعاناة يعني أن تُحقق الطهارة الداخلية، حيث تكف الجروح عن أن تكون جوهر وجودك فحسب، شاعرية المُعاناة هي أنشودة الدم واللحم والأعصاب. المعاناة الحقيقية تَكمن في المرض، تقريباً كل الأمراض لديها فضائل شاعرية، لكن فقط أولئك الذين يتجمدون في لا حساسية مُخزية يبقون سُجناء الألم، ويضيعون فرصة تعميق الشخصية التي يجلبها. لا يصبح المرء شاعرياً إلا بعدَ محنة عضوية شاملة. الشاعرية بالمصادفة تحمل في مصادرها عوامل سطحية تختفي باختفائها. ليس هناك شاعرية أصيلة دون بذرة جنون داخلي.
.
.
.
لماذا لا نستطيع البقاء مُغلقين داخل أنفسنا؟ لماذا نلهث خلف التعابير والقوالب، محاولين إفراغ نفوسنا من المضامين و “المعاني”، مُستميتين في محاولة تنظيم ما هو اصلاً شقي ومُساق بالفوضى!؛ ألا يكون ببساطة أكثر إبداعاً أن نستسلم لتدفقنا الداخلي بدون نية تجسيده؟ أن نتمرغ بشهوانية وحميمية في صراعنا واهتياجنا الداخلي! عندها سنستشعر بكثافة أغنى،وتفتح التجربة الروحية فينا ، سنتسجم كل الرؤى والتجارب وتشرق في خصوبة الفوران، يولد إحساس بالواقعية والبهجة الروحية كأنه إشراقة موجة في مقطع موسيقي. أن نمتلئ بأنفسنا بالكامل، ليس بدافع الكبرياء، وإنما للإثراء والخصوبة الداخلية. أن تتعذب بحس من لا محدوديتك الداخلية؛ يعني أن تعيش بحماسة مُفرطة، حتى تشعر بأنك ستموت من الحياة. شعور كهذا نادر جداً وغريب حد أننا لا نعيشه دون صراخ، أشعر بأني سأموت من الحياة، وأسأل نفسي هل من المنطقي أن أبحث عن توضيح؟! عندما يتذبذب ماضيك الروحي كله بداخلك مصحوبا بقلق كاسح، عندما يّبعث شعور بالحضور التام تجاربا مقبورة وتفقد إيقاعك الحيوي؛ عندها ومن على قمم الحياة يقبض عليك الموت، لكن دون الخوف الطبيعي المُصاحب له عادةً. إنه شعور مماثل لشعور العُشاق على قمم السعادة، حين يلح عليهم هاجس الموت بصورة عابرة لكن ملحة، أو حين يترصد هاجس الخيانة براعم حبهم.
.
.
.
مَلعون إلى الأبد ذلك النجم الذي ولدتُ في ظِله،لو أن لا سماء تأويه متروكاً ليسحق في الفضاء كغبار دون شرف…تاركاً تلك اللحظة الغادرة التي ألقت بي بين الكائنات، تُشطب من قوائم الزمن، إلى الأبد.
.
.
.
نبدأ مُعتقدين أننا نتقدم تِجاه النور،ثم ننتهي مُنهكين من البحث بلا هدف. نفقد طريقنا والأرض تصير أقل ثم أقل ثباتاً حتى لا تعود تسندنا،تَنشقُ تحت أقدامنا.نحن الذين عشقنا القمم ذات يوم وخيبت ظنوننا. ينتهي بنا الحال في مغازلة السقوط، نستعجل تلبية نداءه.
.
.
.
تعمق الحُب: أهناك إندفاع اكثر نبلا- مسرة أقل اشتباها، تزاحم إختلاجة الموسيقى وتنافسها في تفردها ودموع غبطتها وسموها.. إلا أن بهاءها المتصل بالجهاز البولي يجعلها مرتبطة بعملية القذف، بفردوس الغدد المستفرغ عبر الخروم. تحتاج إلى أقل من لحظة انتباه إلى هذا التلوث، ليعيد توجيهك (منتفضا) – إلى لوثة وظائف الأعضاء، أو إلى لحظة تعب، لتدرك أن الكثير من اللهفة والجهد أنتج ضربا من المُخاط!
.
.
.
أعتقدتُ أن العمل الوحيد الذي يمكن للمرء القيام به دون شعور بالخزي، هو أن يُنهي حياته، أنه لا يملك الحق في تَقليص نفسه في تعاقبية الأيام وعطالة الشقاء, لا خيار – استمريت في القول لنفسي، لكن هؤلاء الذين اقترفوا الانتحار، عاجزون في الحياة كما في الموت. أمقُت نفسي وفي هذا المقت أحلم بحياة أخرى .. بموت آخر. وبالنسبة لمساعي أن أكون حكيماُ وهو ما لم أكنه أبداً- أنا فقط إنسان مجنون مُحاط بالجنون!
.
.
.
عندما يفقد إنسان ملكة الامبالاة يصبح قاتلا مُحتملا.عندما يحول فكرته إلى إله تصبح العواقب لايمكن التنبؤ بها. المؤمن الحقيقي بالكاد يُفَرق عن المجنون، لكن جنونه قانوني-مشكور- سوف ينتهي به الأمر في مَصحة إذا كانت إنحرافاته مُدعمة بأيمان نقي، لكن الإله يدعمهم هؤلاء ويشرعهم. المتعصب غيرقابل للرشوة، إنه يقتل لفكرة ويعرض نفسه للقتل من جهة أخرى، إما طاغية أو شهيد- إنه وحش- لايوجد كائن بشري أكثر خطراً من هؤلاء الذين عانوا من أجل مُعتقد: أعظم المُضطهدين مُجندون ضِمن الشهد ءالذين لم تُقطع رؤوسهم بعد.