نبيةٌ من ورق
لم أكنْ يوماً نبيّة
خدعتْها نبوءَتُها الملفوفةُ حولَ سُرَّتها
فتحوّلتْ إلى قطعةِ لحمٍ صغيرة
تلمُّ تحتَها كومةَ أفكارٍ مُنهَكَة .
أفكارُها
أثداءٌ مهترئةٌ من شدّةِ التعب
لا تُفرِّخُ إلا في المواسمِ الملتهبة
لم تكنْ عَرَبَتي رغبةً تجرُّها كلاب
لا تنبحُ إلا في الأوقاتِ الباردة
وتسألُ الريح
بأيِّ ذنبٍ هدأت؟
لم يكنْ حُلمي
ميّت أفسدتْ أمطارُ الدمِ عليهِ خلوَتَه
وحطّمتْ أقدامُ المارّةِ سقفَهُ الخشبيّ
عندما تشتدّ عليه ذكرياتُه
يرفعُ يَدَيْه صوبَ السّماءِ مُتضرِّعاً
هلاّ هدَّأتَ من ثرثرتِهم فوقَ رأسي؟
ميّتٌ يدعو ربَّه
لمشاهدة شهواتِه وهي تأكلُ نفسَها كالنّملِ الأحمر
لأنّه بلغَ سنَّ الرُّشْد.
لم يكنْ حُلمي
فَقْرَاً ينفجرُ مثلَ البراكين
ولا يُدوِّي مثلَ طلقاتِ الرّصاص
لم يكنْ حُبَّاً قويَّاً
يُقشِّرُ الرّوحَ كالبصل
ولا تدمعُ عيناه
لم يكنْ طيراً
يُغري أُنثاه
بفَرْكِ أجنحةٍ لا تُتقِنُ الطيران
بل الغناء
ثائرٌ
يقولُ لها
أبيعُ تذاكرَ الدُّخُولِ إلى الفردوس
فهل مِنْ مُشترٍ؟
طَرْطَقَةُ الملعقةِ على حافّةِ كأسٍ فارغة.
أنا
لاعبٌ
أصنعُ منَ الحَصَى اللامعةِ على طَرَفَي ساقيةٍ عَكِرة
نردٌ أرميهِ على بلاطِ السماء
مَنْ أَصْدَقُ دمعاً،
بَجَعٌ يُطعِمُ صغارَهُ دَمَه
أم ملعقةٌ نَفَدَ صَبرُها
وهي تنتظرُ مع الحساء
فماً جائعاً؟!.
* * *
أعراس
مواكبُ الموتِ في بَلَدي
ليستْ أعراساً تزفُّها رائحةُ زهرِ الليمون
ليستْ عاشقةً عبّأتْ رائحةَ حبيبِها في جَسَدِها
ليستْ أمَّاً رَفَضَتْ ارتداءَ الأسودِ على شهيدِهَا الأوَّل
فارتَدَتْهُ في موكبِ الثاني
ليستْ عَجُوزاً تحلمُ باندثارِ ليلة
استنفدتْ سنواتِ برتقالهِا كُلَّها
ليستْ حُبَّاً بُترَتْ سَاقَاهُ من الرقصةِ الأُولى
مواكبُ الحياةِ في بلادي
علامةُ بُلُوغِ السماء
على ثوبِ الكون.
* * *
في الحرب
لا أُحِبُّ التقاطَ الصُّورِ التذكاريّةِ مع الأموات
أخافُ أنْ
يخرجَ لي جنديٌّ مَهزوم
من واجهةِ محلٍّ تجاريّ
ليُخبرَني عن الأسماءِ التي وَجَدَهَا
تطفو على سطحِ بَحرٍ مُوحِل
كيفَ مَدَّ يَدَهُ ليقطفَهَا نُجُوماً
وعلَّقَهَا على قَدَح
تتساقطُ فيهِ اللحظات
و كيفَ أكلتْ رُؤُوسُ أصابِعِه
ولَوَتْ رأسَهَا كَمِسْكِين
يشحذُ رغيفَ رغبة
أخافُ
عندما تطلبُ منّي أمّي
كَفَنَاً جديداً
لأنّ القديمَ لم يعدْ يناسب
دُمُوعَهَا
في الحرب
أخافُ أنْ أسيرَ بين الجنائز
كي لا تُطلَقَ عليّ رصاصةٌ مُشرّدة
وابلٌ من القُبلات
تَرميني بنظرةِ مُتديّن
تختبئُ تحتَ وجهِهِ سكِّينٌ حنُون
وتُخبرَني
عن وطنٍ يَرمي برتقالَه
في السّواقي
ويستوردُ فيتامينَ سي.
وتُخبرُني عن مُهاجر
حَمَلَ على ظهرِهِ بيتاً
وتركَ المفتاحَ مُعلَّقاً بجذْعٍ مقطوع
كماءٍ في حَلْقِ ظمآن.
في الحرب
ربّما تُفاجِئُكَ عجوز
بدعوةٍ طائشة
كرصاصةِ أخٍ لكَ بالماء
لتُخبرَكَ عن شهوةِ الانتظار
وتُخبرَكَ عن ألمِ المخاض
في نيسان
والحدِّ الفاصلِ بين سكِّينِ المحراث
وليِّنِ الأرض
وتسألَكَ
عن البذرةِ الأُولى!
في الحربِ
قد تُقدِمُ امرأةٌ رافضةٌ على إقناعِك
أنّ النُّهُودَ قُرُونُ استشعار
غارقةٌ في ريشٍ من ضبابٍ ناصع
وعُيُونٌ مُراقبةٌ في متحفِ الجسد
لها طَعْمُ الملحِ والصّدأ.
وأنّ الظهيرةَ وسادةٌ مُكتنزة
والليلُ لصٌّ يغصُّ بامرأة
من زُجاج
في الحرب
ربّما تطلبُ منكَ حَصَاة
أنْ ترميها بطريق
ورايةِ مُنتصر
عندما تنتهي الحرب
سينتهي المَهزُومُون
كَبَطلٍ يُوجِّهُ لكماتٍ إلى ظلِّهِ على الجدار.
***
الحربُ؛
حفلةٌ تنكّريّة
يرتدي الأحياءُ فيها زيَّ الأموات
ويخرجُ الأمواتُ فيها على هيئةِ آلهة.