في طريق العودةِ إلى المنزل، هربًا من نصف محاضرة، سحبت نفسي خارجًا منها، كالهاربِ من ساحة قتل، كانت بانتظاري سيارةُ أجرة، فوّتُّ عدةَ سياراتٍ، قبل أن أركبها، لا أعلم لماذا، استقليتها، في المقعد الأمامي، بجانب السائق، رجلٌ خمسينيٌ، يبدو أباً مثالياً، بحلةٍ وشعرٍ أشهب، يساعدانهِ على لعب ذلك الدور بحرفّية. تقدمت السيارةُ عدةَ أمتار، لتركب إلى جانبي سيدةٌ أربعينية، ولا أعلم لماذا، اعتقدت أنها زوجة ذلك الرجل، لكن حًبا لكل النساء، بأن يكنَّ أمهاتي، جعلني أعتقدُ، أنها إحدى أُمهاتي. وبعد مسافةٍ قصيرة، رَكِبتْ إلى جانبها، طالبةٌ جامعية، لم يكن أحد أصدقائي السيئين معي؛ ليعّلق عليها، لذلك، وجدتها أقرب ما تكون أختًا لي، ربما من زوجةٍ سريّةٍ لأبي. استأذن السائق منّا، لمشوار قصير، لُيِقل أحد الأطفال من الروضة في الطريق. أطفأ محركَ سيارتهِ أمام روضة الأطفال، لكن صوتُ الراديو، لا زال موجودًا، نقلت نظري إلى جانبيّ، كان الصمتُ سائدًا، كذاك، الذي يخيّم حول مائدةِ غداءٍ عائليةٍ مملة. جاء يتقافز لاهثًا، ربما في الخامسة من عمره، أجلسته الفتاةُ العشرينيةُ في حُضنِها، فرحةً به، كأنما ترى طفلًا لأول مرة، كنت أنظر لهما، وهما يضحكان لبعضهما البعض، فلمحتني، لكنها لم تتوقف عن الابتسام. أنا ممتنٌ جدًا؛ لكوني أحدَ أفرادِ تلك العائلةُ المؤقتة. كان الرّكابُ ينزلون في محطاتٍ مختلفةٍ تباعًا، وشيئًا فشيئًا كانت عائلتي الجديدةُ تتفكك وتتلاشى، لم أعلم في أي محطة أنزل، كنتُ الراكبَ الأخير، وعندما نزلت، أدركت أنني بلا بيت.