عشر دقائق انتظار كانت كفيلة بأن يترك جسده ويخرج بوجهه من الباب الزجاجي، في الخارج يبدو كل شيء لا يعرف الانتظار، العربات تسير في طريقها، الفتيات يتراقصن بخفةٍ على الرصيف، الأكياس كذلك تمسك باليد وتخاف أن تفلت أمعائها، عواميد الانارة وحدها التي لا تتحرك، تصطف في تتابع منظم، لكن ضوءها الساقط عامودياً ينذر باليأس . تواردت لديه الخاطرة النموذجية التي تشبه انتظاره، ربما كنت عامود انارة في حياة سابقة، فأنا وحيد.. مثله، وكوني أعمل في صيانة كهرباء الشوارع فأنا أضيئها .. مثله، طولي متر وخمسة وتسعين سنتميتر فأنا طويل .. مثله، أحب النظر الى تحت قدميّ لا لشيء الا لأن رأسي لا تعرف كيف تنهض الى أعلى .. مثله. توالت الصفات المتشابهة بينه وبين عامود الانارة فيما أنتبه إلى صوت النادل الذي أخبره بأن طاولته أصبحت جاهزة، تحول وجهه من جهة الشارع إلى ملامح النادل ذات الابتسامة المستعارة من فيلم تافه، وقال : لم أعد بحاجة الى تناول الطعام، فعواميد الإنارة لا تأكل.