نيكولاي غوميليف – مصـر (1921)

كما اللوحة في كتاب قديم،

تؤنس مسا آتي،

تلك السهول الزمر دية

و مراوح النخيل المترامي الأغصان.

قنوات، قنوات، وقنوات،

بمحاذاة الجدران الطينية تجري،

وهي تروي صخور دمياط

برذاذ زهريٍّ من الزَبَدِ.

و تلك الجمال المُضحكة،

بجسد السمك ورؤوس الأفاعي،

كالعجائب القديمة، الضخمة،

من أعماق البحار المزركشة.

هكذا مصرَ أنت سترى

في الساعة المقدسة ثلاثاً، حين

تشرب الشمس نهار الإنسان

و، كالساحر، يتبخر الماء.

إلى أشجار الدلب المزهرة

تأتي، كما مشى مِن قبْلك

هنا حكيم، وهو يحاكي الأزل،

وقد احب الطيور والنجوم إلى الأبد.

…..

أو الماء يضج باستسلام

بين النواعير الثقيلة،

أو أبيس الأبيض كالثلج يئن،

وقد أدمته سلاسل الورد.

هل ذاك نظرة ايسيدا الخيِّرة

أم لمعان القمر الطالع؟

لكن انتبه! تنهض الأهرامات

أمامك، سوداء ومرعبة.

جلس، يحرس المكان المقدس، أبو الهول

وهو يرنو مع ابتسامة من علُ،

بانتظار ضيوف من الصحراء،

الذين لا تعرفهم أنت.

…..

هناك، بعد أن ترى النهر في الصحراء،

ستصرخ أنت: ” لكن هذا حلم!

أنا لست مكبلاً إلى قرننا،

طالما أني أرى منذ القدم.

أليس على مرأى مني، منفذين

أوامر الفراعنة، العبيد العراة

حملوا الحجارة في الصحراء،

ليشيدوا هذه الأعمدة؟

…..

أليس أمامي، بعد مئات السنين،

غنوا للتمساح أهازيج،

حلقات الكهنة الراقصين

وركعوا قدام أبيس؟

و انطونيو الحبيب مُنتظرة،

وقد رفعت عينين كبيرتين،

راحت تحسب في النيل كليوباترا

السفن العابرة”.

لكن كفى! أانت تريد

العيش للابد بين الأفراح القديمة؟

و إنك غير سعيد بهذه الليلة

و بأزهار اليوم غير سعيد؟

وعلى المدرجات المكشوفة الباردة

تنظف النسوة ذهب الجدائل،

وتطعم صديقاتها السود العيون

العنبر ومربى من الورود.

والمشايخ يصلّون، عابسين، جاديّن،

وقد وُضِع أمامهم القرآن،

حيث الرسوم الفارسية –

كما الفراشات من بلاد خرافية.

ليس عبثا انه في البلاد قيل

مثلٌ في كل العالم انتشَرَ:

ـ من جرّب الماء من النيل،

سيسعى دائما إلى القاهرة.

ليكن السادة هنا ـ هم الإنكليز،

يشربون الخمر ويلعبون الفوتبول

والخديوي في ديوانه العالي

لم يعد للعنف المقدس قبول!.

….

إذا حط بالقرب لَقْلَقٌ تائه

وبنى عشا في حقلك،

اكتب رسالة بالإنكليزية

واربطها تحت جناحه.

في الربيع، على ورقة أوكاليبتوس،

لو عاد اللقلق إليك،

ستستلم تحية من مصر

من أولاد الفلاحين المرحين.

1918، 1921

*

ترجمة: د. إبراهيم استنبولي

زر الذهاب إلى الأعلى