عبده خال – مقتطفات من رواية (الطين)

أشخاص:
بلدان:

من فصل “أحداثٌ ضبابية” الطين

 

“حواجزُ و أشكال هندسية تضيقُ و تتّسع و نحن أسرى تلك الأشكال. من منا يعرف سر هذا الشهيق والزفير؟ هذا الهواء الذي يمنحنا الحركة، و الأحلامَ، و الجبروت، فإذا ركد في دواخلنا غدونا كأواني الفخّار المهشّمة.

نحنُ نعيشُ في نقطة الغياب، نُمنعُ من زيارة الماضي بحاجز الماضي،

 

ولا نقدرُ على تخطّي الأيام لرؤية المستقبل. حتى اللحظة المعيشة تمنعك من معرفة خبر علق هناك، تمنعك من معرفة الأحداث التي تجاورك في حيك أو مدينتك أو قريتك. تمنعك بحاجز المكان. نحن نقومُ طوال حياتنا بحركةٍ واحدة: السّير للأمام و كأننا علبٌ في مصنع كبير وُضعت في دورها، تُعبّأ، و تُختم، و تسيرُ آلياً،

ليس لها أن تتقدّم أو تتأخّر و في حركتها تلك تأخذ معنى وجودها. هذهِ هي الحركة الوحيدة التي نُفكّر فيها، نفكّرُ في أننا نسيرُ في خط مُستقيم، و لو تركنا أماكننا لما احتجنا لقدْح أذهاننا، سنرى أننا كنا نسيرُ في حركةٍ دائريّة و لكبر الدائرة توهّمنا أننا كنّا نتحركُ في خط مستقيم. إن رؤية القاعدة التي وُضعنا عليها داخل المصنع هي قاعدة دائريّة و ارتباطنا بها بالضّرورةِ يولّد حركة دائرية.

الخطّ التصاعدي نظرة مُختالة. أسّسنا وجودنا على هذا المفهوم الخاطئ. إن رؤيتنا لأعالي الأشياء لا تُلغي وجود أسافلها. تلك اللحظة المعيشة هي خارج هذه الجدر التي نتمترس داخلها.”
————————————–

من فصل “الرسائل” الطين

“..نحنُ حين نتصنّمُ في قالب واحد تألفنا الروائح، تلتصقُ بنا و نغدو كلّ البشَر، لا يُميّزُنا إلا انتصابُ قاماتنا ووهمٌ حقيقي أننا نقفُ ضد الفناء بينما نحن نقفُ أمواتاً. نحنُ نُغنّي في زمنٍ مُتحرّك، نُغنّي للفراشات في زمن الديناصورات. هل تَعِينَ الفرق؟

ماذا يضيرُ لو سرقتُ أناملك و سرت بك كأميرة نائمة أو قروية ساذجة تبحثُ عن الطريق، فظهر لها عاشقٌ أضاعَ الدنيا من عينيهِ، وحين سايرك اكتشف أن كل الطرقات تؤدّي إليك، فقطَفَ قُبلة عشوائيه، و علّقَ موالهُ بشحمةِ أذنيك و تَرككِ علّكِ تقتفينَ أثره.

أكان مُخطئاً! و ماذا حدَث؟ هل مادت الأرضُ و ذابت الجبال بصخورها الصّلدة بين سهوب و منحدرات السهول المرتوية بأشجارها المُخضرّة؟ (…).

نحن قواريرُ ترجّ فيتقلّب الكون، و تغدو أماكن قرع النعل فضاءً، و الفضاءُ بركةُ ماءٍ آسنة!!

ماذا يُضيرُ لوْ أنني وجدتك صُدفةً في شبابي، و خرجنا في نزهةِ حبٍّ و لم نعُد إلا للحودنا، و ينتهي الأمر و العمر في نزهةٍ قصيرة ربّما كنا خلالها قطفنا العالم و لهونا به قليلاً و عدنا للأرض لنكون سنبلتين متجاورتين. بالله عليكِ ماذا يُضير؟

إنّ قلوبنا حين نقطفها تغدو صدورنا مظلمة موحشة و في وحشتنا نتخيل نفقاً صغيراً سوف تصله أقدامنا .. ربما نرتكب حماقة عظيمة حين لا نكون مجهّزين بمعرفة حقيقية قريبه قرب روائحنا منا، تلك الحقيقة أن أقدامنا عمياء لن تصِل للنفق. ..”
————————————– 

من فصل “مفكرة” الطين

” العلم ضد الحرية المُتخيّلة (ضد الخيال).”

“.. إننا نكتشفُ – في كل لحظة – عجزنا عن اختراق حجب مُسدَلة كالليل المظلم. وبين نشوة الانتصار و هزيمة الأعماق نتمزق، و نبحثُ عما يُطمئننا إلى مضي مقدرتنا المهولة في هزيمة ذلك الخوف. نحملُ في حقائبنا إجابات محتملة، لكنها لا تحمل اليقين الصارخ.

إن كل إجابةٍ ثابته هي جريمة تخبئ خلفها كوارث يستعصي علينا إطفاء حرائقها التي نمسكُ لهبها بأطراف عقولنا و تقودنا الى التزييف و التضليل اللذين لا ينتهيان.

و الموت هو حقيقة عجزنا الى الآن عن الوصول لتشكلاته، فهو واقع بصور متعددة لا نعرف منها إلا النوم أو حوداث غريبة لم نعترف بها الى الآن.”

“نحنُ بهذا مشروعاً لوسوسة زمنية ربما حدثت و ربما لم تحدث بعد. ..”

“كلّ شيء يمكن حدوثه.”

” للتو عدت من الموت…

أذكرُ هذا جيداً..

لستُ واهماً البتّه”

————————-

 روائي وكاتب سعودي من مواليد إحدى قرى منطقة جازان(المجنة ) عام 1962 حاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية جامعة الملك عبد العزيز عام 1982 واشتغل بالصحافة منذ عام 1982 وهو حاليا يشغل مدير تحرير جريدة عكاظ السعودية يعتبر أحد أبرز الأسماء في المشهد العربي للرواية الحديثة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى