مدخل
لستُ أدري أيّ مجاز سلكتُ
غير أني وصلتُ إلى هنا
إلى تلك البقعة الغريبة
الخالية من المساكن والأرياف
هذا المكان الـمُعرّى
من كلّ شيء:
من الحجرِ إلى الروح
حيث يتجذّرُ العالم
ربما تصلُ أنتَ الآخر
متّبِعاً ذلك المجاز
في هذه الحياة المتخمة
بالنجاح واليقينيات
وحده الضلال يجمعنا
والشعر مملكةُ الخاطئين.
■ ■ ■
حكاية رمزية
يقتات الطائرُ
بنقرِه المحكَم على الصمت
ينقِّبُ عنه بين أكثر الوريقات تهشّماً
وثمة ارتعاش يعتريه
في وقوفه على الغصنِ الوحيد للمساء
سيحلِّقُ في ما بعد
سيكون غمامةً ناعمة
فوق سلاسل الجبال الزرقاء
حيث أمي وحدها
والنجوم تزهو
سيكون فحوى النشيد
الرؤيةُ مشاعٌ الآن
وما سيؤول غباراً
حجرٌ نازف
في وجه قوس الطلقة الداكن
وبما شهده، سيعود الطائر ذاته
وَلِيدَ الرماد والدّخان
ويجثم من جديد
كأنه في عشّ
■ ■ ■
لقطة
وعلى حين غرّةٍ، ها هو الكرسيّ الهزاز
-وكأنه يلتقط
كلماتِ المطر الأولى-
قد بدأ يتهادى من تلقاء ذاته
في الركن الأكثر ملاءمةً داخل الغرفة
حيث يخفتُ الضوء
وتنتشُ بعضُ الأحذية العتيقة
مَن يوقف تهاديَه الآن
بعد أن ترفعَ صاعقة البرق
تنورة الجارة
وتستثيرَ ساعةَ المنبِّه
كي يرنّ جرسها في التاسعة وعشرين دقيقة
من وراء ورقةٍ مزهَّرة
لم تُنذَرْ لتغليف هدية حيث أجلس لأكتب
ثمة يقين لديّ بأن كلَّ شيء سيدوم للأبد
■ ■ ■
فنّ الشّعر؟
ورثتُ حملقةَ حسيرِ البصر
حاسّةَ شمِّ السنة الكبيسة
شفتين متباعدتين أبداً
شَعرَ جمَل
وجسدَ رياضيٍّ
متقاعد
وأيضاً مزاجَ والدي العصبيّ
قلَقَ أمي
الشامةَ المريبةَ لدى جدتي
والكلْيَتين المعطوبتين عند الجميع
بل حتى نوبات الحمّى الدَّورية
في كلِّ ما سلفَ لديّ ما يكفي من الأسباب
لأنْ أتمسّكَ بالجمال
بتبجيلٍ سقيم
■ ■ ■
إمضاءٌ مصدَّق
على مشارف البلطيق
تنتظرك النوارس
سيكون الماء عكِراً
كأحد أحلامك الخاليةِ من الصيف
سيكون الشطّ رائقاً
كأنْ لا شيءَ لي
غادرتُهم هناك
على مشارف البلطيق
ستُطْبِق السماءُ
وبأصابعي يكاد المرءُ يلمسها
ستتلاشى السفينةُ
كأن لا شيء لك
احفظِ الإمضاءَ المصدَّقَ في مكان آمن
كلّ قلبٍ نبيل منظارٌ مقرِّبٌ
■ ■ ■
قصيدة مع عصافير الدُّوري
تدخلُ عصافيرُ الدوري من خلال نافذتي
وهي تتخبّط في طيرانها
أقدِّمُ لها الأظافرَ
والأفكارَ المخمَّرة
وفُتاتَ الرّهبة
يشعشعُ زجاجُ النوافذ المزدوجُ
تدخلُ عصافيرُ الدوري من خلال نافذتي
وهي تتخبّط في طيرانها
أقدّم لها النَّمَشَ
وهذه الذاكرةَ الهائجة
وقشورَ الكرَب
لا تفتقد موسكو إلا
لأوراق أشجارها
تدخلُ عصافيرُ الدوري من خلال نافذتي
وهي تتخبّط في طيرانها
أقدّم لها الأسنانَ
والموسيقى الكئيبة
وبذورَ القلق
من أيّ أصقاع السماءِ
يأتي النبيذُ؟
■ ■ ■
جبهة باردة
أخيراً يتحقق حلمُ كاسال:
يتساقط الثلج في هافانا
وفي ساحة الثورة
كمٌّ وفيرٌ من خشب التنّوب المتين
غُطّيَ بالأكاليل
استجابةً لقرار
اللجنة المركزية
بأن تُزهرَ أشجارُ الميلاد الصغيرة
وأن يرشرَشَ أخضرُنا الرتيبُ
برذاذ الماء
كما شاء جوليان
كلُّ حلم يتحقق:
“تتساقط هافانا في الثلج”
** ترجمة: أحمد م. أحمد