1 – تقاطع الدروب
الشموع التي رأيتها تحترق ، أجل ، الشموع
المقدسة على ذرى الجبال الأبدية،
حيث سار أناس في ضوء صوفي مرتجف،
يتوهجون بالقداسة وبالشمس وبالقطرات الهاطلة،
يتوهجون بالنوم في عوالم لا وجود فيها للزمان.
واويلتاه، قدمي ثقيلة جداً في تلك الممرات العالية المسببة للدوار،
لي الويل، أنا المصنوعة من الطين والتي فكرها فولاذ وحجر!
لن يكون لي مكان أبداً بين أولئك الصامتين المقدسين الحالمين،
ولن تتوج رأسي هالة الرؤيا بتاتاً.
أنت من سوف أبحث عنه، يا إلهي،
في البسيط والرمادي والمحتقر،
أنت من سوف أبحث عنه في العالم،
في الأزمة وفي الكفاح اليومي.
السكون الذهبي الذي تتمتع به السماء
وهو يتطلع إليه فؤادي
هل هو أفضل من جهدك
ومن قتالك المشتعل المقدس؟
رباه، إن غبطتك لك.
أنت أعطيت وأنت أخذت
وأنت تخبئ نفسك.
إعط ما تشاء ـ لا السلام،
ولكن قتالك وروحك التي سوف تنجزها.
رباه، ها أنا ذا أتبعك
على حقل معركة العالم
مثل سيف أو قوس.
أعطني عرشاً، إن رغبت،
أو صليباً، إذا شئت.
2 – الأحسن
لا نستطيع أن نتخلى عن أفضل ما نملك.
ولا نقدر على أن نكبته أيضاً.
كما لا يتيسر لنا أن نقوله.
ما من أحد يملك أن يجعله قدراً
ذلك الشيء الأحسن الراخم في ذهنك.
إنه يشع هنالك عميقاً في داخلك،
يشع من أجلك ومن أجل الله.
إنه مجد ثروتنا التي لا يملك أحد آخر أن يحوزها.
إنه عذاب فقرنا الذي
لا يستطيع أحد آخر أن يحصل عليه.
3 – رغبة رسام
أود أن أرسم كسرة صغيرة
من المياومة الشديدة الرثاثة،
التالفة والرمادية،
ولكنها تتوهج بتلك النار التي جعلت
العالم كله يقفز من يد الخلاق العظيم.
أو أن أبين كيف أن ما نزدري
قدسي وعميق وكساء للروح.
أود أن أرسم ملعقة خشبية
بطريقة من شأنها أن تجعل الناس يرون فيها إلماعاً يومئ إلى الله.
4- توقع الربيع
ألم أمش ههنا ثملاً بأريج الورود
ـ ومع ذلك فما من ورود ظهرت ـ
ألم يرتجف كل شيء وهو ملفع
بلعاب الشمس السماوي؟
والضوء المنـعكس يهمس وعوداً سرية.
من البعيد وصلتني ريح في الفترة الأخيرة.
الضوء مثل أنفاس مستعادة،
مفعم بأريج توقع يرتجف بحياء.
ومنذ ذلك الحين أحسست بأعجوبة.
لست أعرف شيئاً ـ أسير كما لو أنني
في أرض نائية،
أسير كما لو أنني في حلم، حلم بالورود.
كل شيء مثلما كان من قبل ـ
ومع ذلك، فإنه ما من شيء إلا وقد تغير.
ثمة سر غريب ينتشر على جميع الأشياء.
5 – بواسطة وسائل الإعلام
ذات مرة طلبت فرحاً بلا حدود،
وذات مرة طلبت أسى لا متناهياً كالفضاء،
وإني لأتساءل عما إذا كان الاحتشام ينمو مع الزمن.
جميل، جميل هو الفرح وجميل هو الحزن أيضاً.
ولكن الأجمل هو أن تقف على أرض معركة الألم،
بذهن ساكن، وأن ترى الشمس وهي تشع.
6 – شيء واحد
أحن إلى شيء واحد: الجدّية العميقة
– وهي التي برهنت على أنها نحس للكثيرين ـ
ولكنني أحن إلى شئ واحد آخر،
شئ ما منح إلا للأقوياء وحدهم،
إنه صمت القلب.
7 – تعلم الصمت
كل ليلة على الأرض طافحة بالألم.
أيها الفؤاد تعلم كيف تصمت.
النفوس القوية ، كالدروع القوية،
تعكس الضوء من موطن النجوم.
من شأن عويلك أن يجعلك أضعف.
أيها الفؤاد تعلم كيف تصمت.
فالصمت وحده يشفي، الصمت يقوّي،
وهو طاهر على نحو غير ممسوس، ومخلص ببراءة.
8 – ما من مكان
إنني مريضة بالسم. إنني مريضة بعطش
لم تخلق له الطبيعة أي شراب.
من كل حقل تتواثب الجداول والينابيع.
فأنحني إلى الأسفل وأشرب من شرايين الأرض سرها المقدس.
والسماوات دافقة بالأنهار المقدسة.
أتمطى وأشعر بأن شفتي رطبتان بنشوات بيضاء.
ولكن ما من مكان، ما من مكان . . .
إنني مريضة بالسم، إنني مريضة بعطش
لم تخلق له الطبيعة أي شراب.
9 – أنشودة
يسقط صوتك وخطواتك بطراوة الندى على يومي المشغول.
وحيثما جلست ثمة ربيع في الهواء المحيط بي من دفئك الحي.
إنك تزهر في بالي وتزهر في دمي،
وإني لأعجب فقط لأن يدي السعيدتين
لا يستحيلان إلى زهور كبيرة.
والآن، فإن فراغ المياومة يتغلق حولنا معاً،
مثل ضباب طري لطيف.
هل تخاف من الغرق في الكآبة الرمادية؟
لا تخف: ففي أعمق أعماق الحياة اليومية، في قلب الحياة كلها،
يشتعل عيد سري عميق
بشعلات تهمهم على نحو هادئ.
10- المتجول في الصحراء
ألا إنك لتزن بموازين زائفة
وتقيس بمعايير مزورة،
ليس أمام القاضي الذي يحكم على المجرمين،
بل أمام الله، سبحانه، فاطر الحياة.
بلؤلؤة صغيرة نشتري ألف تمرة،
أما أنا، أو تلك التي جاعت في الصحراء،
فمتعبة من حزامي المصنوع من اللآلئ،
وهو الذي لا يقدم أية تغذية.
وأنا، أو تلك التي هزلت في الرمل،
لن أسترد فخامة مقبض خنجري
المزخرف بالجواهر التي لا تطفئ عطشاً.
ثم إنني في مدينة المآذن هذه،
بعيداً عن الصحراء،
سوف لا أنحني أمام تلك الأبواب المتكبرة،
تلك البوابات الذهبية،
ولكن أمام الآبار المنخفضة النائية
عن الدرب،
إلى حيث يقود الرعاة المغبرون قطعانهم
عندما يجلبون الحليب في المساء.
11- تعدد الإنسان
جميل هو الجسد القوي
الذي يشطر موجة عاتية،
وجميل، جميل هو نوم الطفل
بعد التوتر الذي يصنعه اللعب.
جميل هو يوم العمل
ـ والخبز اليابس، مكسوراً ومباركاً ـ
وجميلة هي الساعة التي تنسى في النبيذ
كلاً من الماضي والمستقبل.
لقد ولدنا من أمهات سماويات وأرضيات
ومن قوى لا نهاية لها على المدى المنظور،
ومن إرادات ليلية وإرادات نورانية،
وبأسماء لم يعرفها أحد.
ليت أن واحدة من الكثيرات
لا تهيمن علينا،
حتى وإن كانت من عرق السماء،
وتشعشع فيها الفخامة.
في سريرتنا. يعيش التعدد
وهو يتلمس دربه صوب الوحدة
وقد ولدنا كي نكون زجاجته
المشتعلة الحاشدة المهيمنة.
عظيم هو كفاح الإنسان
وعظيمة هي تلك الأهداف
التي يضعها نصب عينيه ـ
ولكن الأعظم منها هو الإنسان نفسه
بجذوره الضاربة في الليل الكوني.
إذن، هات ذلك الذي قد يستفيق غداً،
فنحن ندرّع غرفة سرية،
ولا نفتقر إلى أية شعلة
على مذبح إله مجهول.
12- أنت
عذب هو صوتك مثل وشوشة الينابيع،
ووجودك طازج على نحو حرّيف مثل فواكه
الخريف المعطرة.
وبصفاء يستقر في عينيك
المرح المقشعر لأواخر أيلول.
ألا إنك لنافورة،
شعاعها متألق بشكل مشمس جميل في
توازنه، وفي قوسه ذي الشكل الكامل.
إنها نافورة جميلة بقوتها
وهي تحوز القوة التي تمكنها من أن
تحب الحدود والأبعاد النبيلة.
تحية للعبك الهادئ، ولصحتك الربيعية.
وتحية لنبل روحك العذب الشبيه بالذهب،
والمنساب في نقاء ملامحك،
وفي التناغم الغنائي لأعضاء جسدك.
13 – عزاء النجمة
الليلة الماضية، سألت نجمة
ترخم بعيداً حيث لا يعيش أحد:
«من تنيرين، أيتها النجمة الغريبة؟
إنك تتحركين وأنت كبيرة ناصعة».
راحت شفقتي تصمت،
عندما نظرت النجمة بحملقة كوكبية،
«إني أضيء ليلاً أزلياً،
إني أضيء فضاءً بلا حياة.
وإن ضوئي زهرة تذبل
في خريف الفضاءات المتأخر الخشن.
ذلك هو عزائي كله.
ذلك الضوء هو عزائي الكافي».
14 – حالة التنقل
اليوم المشبع ليس الأول بتاتاً
وأحسن الأيام يوم العطش
أجل، ثمة هدف ومعنى في طريقنا ـ
ولكن الطريق التي تصنع للفاعل قيمة.
أحسن الأهداف استراحة تستمر طوال الليل،
استراحة تضيئها النار، ويكثر فيها الخبز المكسور.
في الأماكن التي ينام فيها المرء مرة واحدة،
النوم لا خوف عليه، والأحلام مترعة بالأغاني
اخترق المخيم، اخترق المخيم! فالنهار الجديد
يبدي نوره.
ومغامرتنا العظيمة لانهاية لها على المدى المنظور.