ثمة لحظاتٌ يُتعبنا فيها كلّ شيء، حتى ذاك الذي يريحنا. ما يُتعبنا يُتعبنا لأنه يُتعبنا؛ ما يريحنا يتعبنا لأنَّ فكرة نيله تُتعبنا. ثمة قنطٌ يسكن الروح تحت مستوى كل قلقٍ وكلّ ألم، قنطٌ لا يعرفه، فيما أعتقد، إلا أولئك الذين يتجنبون أنواع القلق والآلام الإنسانية، ولهم من الديبلوماسية مع أنفسهم ما يتيح لهم تفادي ضجرهم الخاص بدون أن يعني ذلك تحولهم إلى كائناتٍ محصنةٍ ضدّ العالم، إنهم، في لحظةٍ معينةٍ من وعيهم بأنفسهم، لا يعانون من وطأة هذه الحصانة، فالحياة بالنسبة إليهم أصبحت قلقًا معكوسًا، وألمًا مفتقدًا.
أجد نفسي الآن داخل لحظةٍ من تلك اللحظات، وأكتب هذه السطور كمن يريد أن يعرف بالأقل أنه يعيش. لقد اشتغلتُ مثل شخصٍ منوّم، مجريًا حسابات خاصة بإجراءات النوم، مواصلاً الكتابة طوال إغفاءتي. طيلة اليوم شعرتُ بما يثقل العينين والصدغين، شعرتُ بثقل النوم في العينين، بضغطٍ حتى خارج الصدغين، وبوعي هذا كله في المعدة، فيما يشبه الغثيان والخور.
يبدو لي العيش خطأ ميتافيزيقيًا فادحًا في المادة، زلّةً من زلات العماء. لا أنظر إلى النهار، كيما أرى ما يمكن أن يمنحنيه من عزاء، كاتبًا إياه هنا بأسلوبٍ وصفيّ. لأغطي بالكلمات الفنجان الفارغ لعدم رغبتي، لا أبصر النهار، وأجهل بظهري المُنحني، ما إذا كانت الشمس موجودةً في الخارج أم لا، في الشارع الحزين ذاتيًا، في الشارع المقفر… أجهل كلّ شيء والصدر يؤلمني. لقد كففتُ عن العمل ولا أرغب في التحرُّك من هنا. أنظر إلى النشافة البيضاء المُتسخة، التي تتمدَّد ملصقةً من الجهتين فوق المكتب المائل. أنظر بتيقُّظٍ إلى الخطوط الممتصّة الممحوّة فيها… أرقامٌ هنا وهناك. رسوم للاشيء من صنع تسلياتي. أنظر إلى هذا كلّه نظرة قرويٍّ إلى نشافات، بانتباه من يرى أشياء جديدة، بالدماغ الخامد كله من وراء المراكز الدماغية المنتجة للنظر.
لديّ من النوم الباطني ما يفوق طاقة استيعابي. ولا أرغبُ في شيء، لا أفضّل شيئًا، ليس ثمة مهرب.