تجاوز عمري الخامسة والثمانين
ويبدو أن هذا الأمر كله من دون جدوى
أستعمل قبعة كاوبوي في هذه الصحراء لأتنزه في الظهيرة عاقدا يديّ خلف ظهري
كل شيء أحمر بالشمس
البيوت الخشبية
والبشر
والحيوانات
وحتى الجبال البعيدة
أغسل ثيابي بنفسي وأنشرها فوق الصبّار
أقف قبالتها عاريا
تجف في رمشة عين
أرتديها بسرعة قبل أن يذرق فوقها نسر
لا يعرفون من أنا
ولم يسبق لي أبدا أن تحدثت في الحانة عن حياتي
لأجل ذلك أكتفي بكأس ويسكي واحدة
مع كثير من الثلج
جالسا بطريقة حارس حقل الألغام
مغطيا عيوني بالقبعة
وممددا قدميّ فوق الكرسي المقابل
راقصة الحانة الشابة
تصعد فوق الطاولة أثناء احتدام الرقص
ونحن نصفق لها متمايلين مقهقهين محدقين فيها من الأسفل
رافعين الأنخاب في اتجاهها
ركبتاها تتلامسان
نادرا جدا ما ترتدي بيكيني
الجميع هنا يحب الحياة في عائلات وسط زوجة رشيقة وأطفال وعمات وخالات
وجدّات فكهات
والرقصَ
وأعيادَ الميلاد الكثيرة
ووصولَ سيارات الْجِيبّْ بمزيد من المؤونة والشراب
والسلاح
لا يعرفون من أين أتيت
ولا متى سأغادر
فأنا الغريب الوحيد هنا
لكنهم ينادونني العجوز الطيب
ويعزمون عليّ في الحانة لأشرب مجانا
كل مرة على حساب واحد
لقد استعملت جيدا مواهبي القديمة في العِرافة
أبدو أمامهم رجلا رزينا
وحكيما
ككاهن
بشعري الفضي وحاجبيّ الكثين
وقصر قامتي
وبطني البارزة قليلا من القميص كمحاسب
ومشيتي التمساحية البطيئة
عارفا بأسرار المستقبل والماضي
أعطي للرجال وصفات مجربة لتقوية الباه
بخلط أعشاب صحراوية بدم الضب
وشربها قبل المعاشرة بنصف ساعة
وأقرأ للنساء الجميلات الفنجان
الجميع يحبونني هنا
وراقصة الحانة تجلس أحيانا فوق ساقيّ الممدودتين على الكرسي
بطريقة معاكسة لي تمكنها من مد قدميها الحافيتين، كخطّافين ناعمين، في اتجاه كتفيّ
تطوق بهما عنقي
بينما تنحسر تنورتها إلى نصف عجيزتها
ثم تسحبني إليها أمام الجميع
وسط صياحهم وقهقهاتهم وتشجيعاتهم وقرع أنخابهم
أحدهم يصرخ: قبّليييييه..
الآخر يصرخ: هذا العجوز يلائمك..
والجميع يقهقه بألفة وسعادة
قالبين كؤوس البيرة العملاقة في الهواء
من أجل تجرع آخر قطرة
أنا أيضا أحبهم جميعا
لكن كل ذلك لم يمنع أبدا أن يتدلى من حزامي باستمرار
مسدس صغير
ماسورته كبيرة وصلبة كخصية الخنزير
محشوة عن آخرها
بالرصاص
أقف كل مساء وحيدا عند نافذة غرفتي في الأوتيل الخشبيّ
المكتراة لسنة
بثيابي الرسمية
وحذائي ذي المهماز
وقبعتي
ومسدسي
شكل السماء لا يتغير أبدا في هذه الصحراء
إنها بلا سحاب في النهار
وآجورية دائما كل مساء من دون ملائكة
تطرق الخادمة العجوز الجميلة الباب ثم تفتحه
تضع صينية الطعام فوق السرير كالعادة
لا ألتفت إليها
بل أظل ساهما أتأمل الأفق الخاوي، كتمثال، والغبارُ يتراقص في أشعة الأصيل
هذا لا يعني بالضبط أني أحبها
لكني قرأت فنجانها ذات يوم
أخبرتها أنها ستتزوج غريبا
بهذه الطريقة فقط أضمن بيتا يوما ما في هذه الصحراء
عوض السكن إلى الأبد في أوتيل بلا نجوم وبلا سياح
وامرأةً تطبخ لي
وتمنحني ذكرياتها
وشعرها الأشيب الناعم في الليل
لأضفر فيه الساعات
يمكنني أيضا تخمير العنب في البيت
وشرب أكثر من كأس واحدة مجانا
وتربية ببغاء كبيرة
وزراعة الخضار والماريخوانا في الشرفة
في أصص فخارية كبيرة
والتنشين بالمسدس
على النسور
تجاوز عمري الخامسة والثمانين
هذا صحيح
لكني ما زلت قادرا على فعل أشياء كثيرة
كالضابط
ارتداءَ قميص أنيق بمربعاتٍ صغيرة وشارةٍ شبه ذهبية على الصدر
السهر في الحانة كل مساء
كتم كل شيء عن حياتي القديمة
والزواج بخادمة الأوتيل
أو براقصة الحانة
أو ببائعة الترمس المرافقة لسيرك الغجر المتجول
دون حتى حاجة إلى عرس
مازلت قادرا على فعل أشياء كثيرة مهمة
لكن
يبدو حقا
أن هذا الأمر كله في هذه الصحراء
من دون جدوى