*القراءة جِهاراً لوالدي
اخترتُ الكتابَ عشوائياً عن الرفّ،
لكنْ من جملة نابوكوف الأولى
عرفتُ أنه ليس بالشيء الذي يُقرَأُ
لرجلٍ يصارعُ الموت:
“المَهْد يتأرجح فوق هاوية”، هكذا بدأ،
“والمنطق يُبيّن لنا أنّ وجودنا
ليس سوى بصيص نورٍ قصير الأمد
بين أبديتين من الظلمة”.
الكلمات عكّرت صفوَ كليْنا توّاً،
فتوقفتْ.
ولئن كانت الموسيقى الخلفية هي نفسها تتكرّر
– كونشيرتو شوبن على البيانو-
فقد سألني إيقافها.
كَفَّ عن الأكل، وارتوى قليلاً،
فيما الأورام الخبيثة
ناشطة في اكتساح ما تبقّى منه.
.
لكنْ بالعودة إلى تأرجح المَهْد،
أعتقد أنّ نابوكوف أخطأ الحُكْم.
هذه هي الهاوية.
ولذا، الأطفال يصرخون عند الولادة،
والمشرفون على الموت، يعمدون دائماً
لبلوغ الشيء الذي في متناولهم فحسب.
.
عند النهايات، هم لا يريدون أن تكونَ أيديهم
تحت الأغطية،
وإن اقتضى الحالُ وَضْعَ يدكَ على أياديهم
في بادرةِ تعاطفٍ متردّدة،
فسوف يعمدون إلى سحبها،
وعليكَ أن تحترمَ تلك الرغبة
وتدعهم يطلقون سبيلها.
*مُغَاير
نهضتُ من السرير على قدمَيْن قويّتين.
كان يُحتمَل أن يكونَ الحالُ مُغايراً.
تناولتُ وِعَاءً من الحبوب مع الحليب المُحلّى،
ودرّاقة مُشقّقة يانعة.
كان يُحتمَل أن يكونَ الحالُ مُغايراً.
اصطحبتُ الكلبَ صُعُداً
إلى غابة البتولا.
الصباح كلّه انصرفتُ
إلى أعمالٍ أحبُّ.
.
عند الظهيرة، استلقيتُ مع زوجي.
كان يُحتمَل أن يكونَ الحالُ مُغايراً.
معاً تناولنا العشاء على طاولةٍ
عليها شمعدانات فضّة.
كان يُحتمل أن يكونَ الحالُ مغايراً.
نمتُ في سريرٍ في غرفةٍ
تزيّنُ اللوحاتُ جدرانَها،
ورحتُ أخطّطُ ليومٍ آخر
تماماً كهذا اليوم.
لكنْ يوماً ما، أعلمُ،
سوف يكونُ الحالُ مُغايراً.
*القميص
القميصُ تُلامسُ عُنْقَه
وتُملّسُ على ظَهْرِه.
هي تنسدلُ على جانبَيْه.
هي حتى تسترخي إلى ما تحت حزامه
نزولاً إلى بنطاله.
يا لها قميصاً محظوظة.
*الوِعاء الأزرق
كالبدائيين دفنّا الهرَّ ووعاءه معه.
بأيدينا العارية جرفنا الرملَ والحصى
وردمنا الحُفْرة.
انهمرا مُرْسِلَيْن هسهسةً وصوتاً مكتوماً،
فوق جنبِه،
فوق فروِه الأحمر الطويل،
الشَعْرِ الأبيض بين أصابع قوائمه،
وأنفِه المستطيل لئلا نقول الأعقف.
.
نهضنا وواحدُنا حَمَلَ الآخرَ على المُضِيّ.
ثمة أحزانٌ أشدّ وطأة من هذه.
.
صامتَيْن لبقيّة النهار،
انصرفنا إلى أعمالنا، تناولنا طعامنا،
أرسلنا ناظرَيْنا، واستسلمنا للنوم.
الطقسُ كان عاصفاً طوال الليل؛
الآن بدأ يصحو، فيما أبو الحِنّاء يغرّدُ
من أجمة متقطّرة،
مثل جارة حَسَنَة النوايا
ولكنها دائماً تُسيءُ التعبير.
*
ترجمة: آمال نوّار
من مجموعة “مُغاير”