أعيش في الأيام الأخيرة حالات غريبة من الديجا فو.
أسمع رنين هاتف المنزل دون أن يرنّ، ضجيج القادمين رغم أن لا أحد هنا، وأرى وجهك في كلّ زاويةٍ أعبر.
يحاصرني جدارٌ متهالك ينتظر لحظة سقوطه.
تصيبني فكرة السقوط بالأرق، أريدُ أن أكون صاحياً لترتيب المكان.
أفكّر في السنواتِ الماضية، وتبدو كلّ وجبةٍ كنت قد كرهتها يوماً أشهى ما يمكن أن أحصل عليه الآن.
ثمّة شيءٌ غريبٌ في هذا المكان.
بدت تلك الأيّام لامتناهية، كانت السماء فيها أشدّ زرقةً وكأنّ الجنّة منها على بعد غيمة.
وكان الموتُ صديقاً، يمرّ ضيفاً عابراً، لا يصحب في طريقهِ إلا من رغب.
كُنّا نترك نوافذنا مفتوحة، مشرّعة لاستقبال الحياة التي تنتظرنا. وكانت الستائر ثوباً يغطّي الليل.
كان الطريقُ نحو كلّ شيءِ مألوفاً. لكلّ حجرً عنوان. ولكلّ شجرةٍ اسم.
أستيقظُ في هذا المكان. صباح الغد، كما اليوم، كما الأمس. أتفقّد ملامحَ وجهي مرّةً أخرى. بدأتُ أتلاشى، عمّا قريب سأغدو ظلّاً آخر.
أستيقظ وأرسمُ ملامحي كما حفظتها آخر مرّة.
وحيثما يصادفني سؤالٌ عن العنوان، أعطيهِ بوصلةً دون عقارب.
أنا غريبٌ هنا. وغريبٌ حيثُ أكون.
أصلّي ألّا تجرحَ رياحُ الشتاء القاسية نوافذ المنازل التي تُركت مفتوحةً يوماً.
وتبدو السماءُ أبعد من أن تصلَ صلاتي أيّ إله.
لا أستطيعُ النوم. ليلُ هذا المكان عارٍ أبداً.
ولا أحلامَ هنا إلّا ما استطاعت حقائبُ الصغارِ أن تحتوي.
لا نوافذَ هنا. وحدهُ الموت من يحفر ثقوباً تضيء المنازل.
والجميعُ يبتسمُ لقاءَ خدماته، متناسينَ اتّساع الثقوبِ يوماً تلو الآخر.
وأنا لا أستطيع لومهم.
الموتُ هو النافذةُ الوحيدة لهذا المكان.
…
آية النملي
سوريا