يحيى الشيخ – القُبْلَة

قال الأعمى لعشيقته وهما يعبران الشارع صوب حديقة مكتظة بأشجار معمرة تشبه غابة صغيرة:

_ يوم جميل لا يأتي مثله حتى لو خُلق العالم من جديد.
وحزّم خصرها بذراع واثقة من عروقها. التصقت به واندفعت احاسيسها كلها إلى هناك، إلى نهدها المرصوص على جنبه، وطوّقت خصره بذراع نحيل يكاد الشوق يكسره. سحبته اليها وهمست:
_ بركة ماء على يسارك.
_ تخشين عليَّ من الغرق في شبر ماء؟
_ أنت غريق بأقل منه، فلا تُغالي!
فتح كفه وراح يتلمس خاصرتها الرخوة يبحث عن دغدغة مخبأة يعشقها.
_ ارجوك، لا تفضحني!
سحب ذراعه ووضع كفه العريضة على كتفها. كانت تعشق تلك الكف ذات الأصابع الطويلة الناتئة عظامها وكأنها عقد خيزران، ولطالما وجدت نفسها مثل كومة حرير بينها، يفتحها ويطويها كما يشتهي وهي مستسلمة تنتظر ساعة الخلق. طفق ابهامه يتلمس فقرات رقبتها ويدور فيها، يعدّها، وينزل بهدوء ويقين حتى نهاية عمودها، الذي لم يعد يحمل أثقاله، وتصاعد من اعماقها زفير يشبه شخير المذبوح واختلط بشهيقه، نمت عنها كلمات مبعثرة لفم لم يجد فرصة للكلام، واخذها، مبعثرة كما هي، بفم كجرح راعف.

زر الذهاب إلى الأعلى