جدّي لم يحتضر فجأة، كانت ميتته تتم على مهلٍ، الكُل يُنبهنا أن وقته هنا على وشك الانتهاء، كانت أنفاسه واضحة على غير عادته بالمرّات السابقة، أخبرتني إحدى السيّدات المُسنات بالعائلة ألّا أقف بمرمى بصره فهو الآن يرى الملائكة ولا مكان لحضرتي، فاتخذت مكاني بيمينه وضممت يده، تسلّمت من والدي مهمّة تعطيره، كان جدّي جميلًا كعادته ولم تفقد يده دفئها، وكذا لم تفقد عيناه زُرقتهما التّي لم يورّثها لأحد، أوشكت أن أسأله كالعادة “ إزّيك يا حلو؟ ” ولكنني تراجعت لسبب ما، لم تتوقف السيّدات عن الكلام اللامُجدي وكأنها فرصة لا تعوّض لاجتماعاتهن الإدّعائية، أو محاولة إبراز كم كُنّ ودودات معه وكم كان هو لطيفًا خفيف الظل. كنت أتحدّث معه خفيةً من حين لآخر خوفًا من تأتي إحداهن بخرافة ما تمنعني من بوح أخير لجدّي، انتصرت وأخبرته عن القُبح وما حدث. سيتذكَّر صوتي جيدًا.
السادسة إلّا رُبع مساءًا، أُرسلت لي رسالة تهنئة بالعيد في حين كنت أحادث فيها طبيبًا لطمس ما يجول في عقلي بشأنها، تحدّث معي صديق للتهنئة كذلك في حين كنت أصرخ أنني لا أدري ماذا أفعل، فاعتذر هو. ما بال التهاني اليوم!
أنا يا صديقي، لم يعد بيديّ حيلة.
لا صوت الآن سوى الأنفاس، وخوف يُخفيه كُل منّا بوسادته.
143 دقيقة واحدة