مختارات للشاعر الإيرلندي كاتال أو شاركي – ترجمة: فداء العايدي

الحقول المطوية

على امتداد المنطقة خلف المنحدر

أستطيع أن أرى الحقول المطوية

رأسًا على عقب.

لولا الأغنام

الرابضة هناك، تضغط

مثل الأثقال التي تثبت الورق،

لكانت الحقول كأوراق الشجر

جرفت بعيدًا

في العدم.

عندما قلت اسمي

عندما قلت اسمي يا حبي، في تنهدات مودةٍ ناعمة

لم يعد هو اسمي، لكنه غدا السوسن المزهر المصفر في فم النسيم.

عندما ضممتني بوحشيةٍ إلى قلبك، ما عاد لي وجود !

أصبحتُ جدولَ صيفٍ، يفيض ويحطم ضفافه

رحلةٌ جبلية

رذاذٌ يغمر الجلد.

زهرٌ يفيض عطرًا.

محادثةٌ ساكنة.

حبة  توت

تزاحم ُزهرة.

ممرٌ جبليٌ مكشوف يلوح في الأفق.

تعلوني قبرةٌ حلوةٌ شفافة.

كل ما يمكنك فعله الآن هو الحياة.

وفي وقتٍ لاحق

يمكننا أن نجد الهدف.

يمكننا أن نجد مساراتٍ للخروج

من المتاهة والضباب

والدخول في عين العاصفة

ونقع نفسك  فيها

أحدٌ في مينالا ، أحدٌ في غزة

( مينالا هي بلدة الشاعر في مقاطعة دونيجال في شمال إيرلندا )

أحدٌ لطيف

في مينالا.

أنا في الحديقة

غيرُ مهتم.

نظيري في غزة

تنفذ منه الأنفاس.

يتضرع للهرب من

الهجوم الصاروخي القادم

ومن تداعيات الانفجارات.

أحدٌ ناعمٌ بطيءٌ ناعس

في مينالا.

سيغرق الليل في الصمت.

سيطلع القمر

ويسترخي في الهواء.

لكن في غزة

سوف تشتعل السماء

في اللهب الحارق.

وستنهار المنازل.

وتُهشَّم العظام.

في هذا الأحد الهادئ

في مينالا

كم من السهل

رثاء غزة

تماما مثلما أسترخي في الحديقة

مستمتعًا برائحة  العشب المجزوز للتو.

لا يوجد أي اكتراثٍ في العالم

إلا صنع قصيدة.

لا اكتراث في العالم،

إلا صنع قصيدة.

بطاقة بريدية ليوسف في العراق

ليلةٌ دافئة من آذار في مانهاتن

أقف عند عتبة الباب

حيث كنتَ تعيشُ يومًا في شارع بليكر

وحيث أحببتك في الثمانينات.

أتباطأ في ترك هذاالباب فرحًا،

جنونُ القمر من عناقاتنا، يجتاح ذاكرتي.

وكيف تحدثنا عن وطنك،

المشمس الممتد بين النجف والحلة.

أين أنت الليلة؟

لا أعلم.

ترتجف أساسات العالم، يا حبيبي،

من النجف إلى الحلة.

شعبك يرتعش

تحت زخاتٍ من الاعتداء الجبان.

تمطر قنابل البرابرة عليك

ومدنك أطلال.

تدمرت مدنك وقراك،

وأخشى بشدة أن تكون حياتك في خطر.

فيما يتقاطرون إلى محق ما بين النجف والحلة.

الليلة وأنا معلَّقةٌ على الباب لرغبة قلبي

أفكر فيك، وبشيءٍ قلته ذات مرة:

“إنما وطن الشاعر في قلوب

المظلومين” 

الليلة، أيها الحبيب،

ماذا يمكنني أن أقول إلا أن أؤكد لك

بلغةٍ لا تغلبُ الصخب والارتباك

أنني معك، تمامًا.

تنتصر القنبلة على كلامي

والصاروخ يسخر من قصيدتي،

لكنني معك، الليلة، يا كنزالعراق كله

لأن قلبك، الخافق هناك في نيران الحرب القرمزية

هو وطني، قصيدتي، إنسانيتي.

وهكذا، يا رجل قلبي وروحي،

أنا معك الآن من تاج رأسي

في النجف إلى أخمص قدمي في الحلة.

الثمار الفارغة للاج ني سيميار

( بلدة في إيرلندا )

ها هنا توت العليق

في عناقيد مغرية

في خصل سميكة

حبات توت لاتعد ولا تحصى

غارقةٌ في دماء الأرض

ومشتعلةٌ بالشمس.

إنتاج أنيق من أشجار وردٍ متشابكة.

عصيرٌ ناعم من أيامٍ خريفية.

إنها وليمة جانب الطريق.

مشاعري مثارةٌ، وتتفنن في وخزي:

لا بد أن أمتلكها !

وحشي متعطشٌ للدماء

مسألة حياة وموت

كل لقمةٍ طرية

لا أستطيع التغلب على سحرها !

كل عامٍ أغرز أنيابي

في أوردتها النابضة

دمويتها الحلوة اللينة.

إن مروري بها

دون أن أتذوقها

كفيلٌ بأن يرسلني في نوبة

من الجوع المتضور

لذيذةٌ، مكتنزة، شهوانية

أربت عليها

في راحة يدي.

أنا شيطان النهم

مصاص الدماء الذي يلعق جمالها

بلساني الملطخ بالدماء

وكم أنا بائس

عندما زال لمعانها

وشوهتها الشيخوخة

مع  مرور نوفمبر،

إذ يمضي الناس الحالمون إلى شؤونهم،

وتبعث الشجيرات رائحةً كريهة إلى السماء العالية.

نبذة عن الشاعر:

ولد كاتال أو شاركي Cathal Ó Searcaigh
في إيرلندا عام 1956. يلقب بالشاعر الأممي. من المدهش أن شعره يعكس عمق تجذره في بلدته مينالا في مقاطعة دونيجال في شمال إيرلندا، من خلال علاقته بمفردات الطبيعة، دون أن يمنع ذلك من امتلاكه مواقف واضحة ضد التجسيد السياسي لفعل الهيمنة حول العالم؛ مثل مساندته لغزة في وجه الاعتداءات الصهيونية، ومناهضته للوجود الأمريكي في العراق. وتجسد هذه المختارات السمات السابقة.

ترجمة: فداء العايدي

زر الذهاب إلى الأعلى