كأنَّنا نخوضُ معركةً دون أن نبرح السرير – عبدالرحيم الخصار


إنَّني أهذي
لكن وعيي حادٌّ مثل معول
وإذا ما بدوت لكِ أدنو من الجنون
فلأنَّ يدًا سوداء تدفعني من الخلف.

كأنَّنا نخوضُ معركةً
دون أن نبرح السرير
كأنَّنا نقاتل ضدّ الأغراب
مع أن أطيافنا قد شلَّها الخدر
لماذا نحس بشيء لا رغبة لنا فيه؟
لماذا نجد أنفسنا في ساحةٍ لم نسر إليها يوماً ما؟
لماذا ننام في غرفتنا ونستيقظ في غرف أخرى؟
نرتدي معاطف الوبر في عز الصيف
ونسير في طرقات نجهلها
وإذ نسير نتعثر بأفكارنا
ينبت العشب فوق عيوننا
وشيئًا فشيئًا تتحول أقدامنا إلى أخشاب.

كنتُ أركض في الأجمات
مثل نمر يتعقَّب طريدة
وها أنا اليوم أرشو الأشجار كي تُخفيني
لستُ خائفاً مما مضى
لكنني خائف مما سيأتي
أخاف أن أضع يدي في جيبي فتلسعني العقارب
أخاف أن أخطو باتجاه البهو فتصعقني الكهرباء
أخاف أن أفتح لكِ الباب فتداهمني دبابة
غصن شجرة السنديان يتخذ شكل البندقية
والعصافير التي تطير فوقنا
تشبه القنابل التي تسقط من السماء
لذلك فشعوري اليوم  
هو شعور رجل يستسلم قبل المعركة
ربما لا ترين الأغلال في قدمي
لكن شفتيّ تتمتمان بلعنة لا نهاية لها
تعالي معي إذن لنجوس التل
ونلعن كلَّ الذين أوقعونا في هذه الشراك.

كان أولى لنا أن نتشبه قليلاً بالملائكة
ألا ترين أن هؤلاء البشر لم يعودوا بشرًا كما كانوا
صاروا مستنقعات كبيرة من الدماء
وأنتِ تعرفين أني أكره الدماء
لذلك فثيراني تشيخ في حظيرتها
لنجرب ازدراد الأعشاب ربما تصيبنا الرحمة
الحيوانات أليفة كما يبدو
والإنسان هو الضاري
ويومًا ما ستطول أنيابه
وستنبت في يدهِ المخالب الجارحة.

إنَّني أنام على سريرٍ في غرفة عالية
ومع ذلك أحدس أن طوابير من الأفاعي
ستصعد الأدراج وتلدغ كتبي
كم سيكون مؤلمًا لهؤلاء الشعراء المنتحرين
أن يموتوا أيضًا بلدغة أفعى
وأؤلئك الذين علقتُ صورهم على مداخل الغرف
سينظرون إليَّ بعتاب
لأني تركت عصرهم وعشت في عصرٍ بلا مذاق
لقد أطلنا التحديق في بعضنا حتى أصبنا بعمى الألوان
ألا يجدر بنا أن ننفض المكرَ والأحقاد عن ثيابنا
ونكنس الغبار الذي تكدّس في الحجرات؟

سيتغير العالم يومًا ما
أعرف ذلك مثلما أعرفك
فقط ينبغي لهاته الحلازين التي تدبّ فوق مكتبنا
أن تخرج من قواقعها وتنمو لها أجنحة
ينبغي لهؤلاء العميان
أن يتحسسوا طريقهم في الديجور القاسي
ينبغي لهاته الحشود الخرساء
أن تصطف يومًا ما أمام التماثيل،

وتجرب الصراخ.


*نص: عبدالرحيم الخصار

زر الذهاب إلى الأعلى