غواية المرج ونصوص أخرى – ماجد الفهمي

أشخاص:
بلدان:

ذكرى رحيل

نرحلُ،

‏كأننا لم نكن يومًا أشجارًا،

‏تذرفنا الرياحُ مع صهيلِ الوحدة 

‏وتهوي بنا إلى قيعان البحر 

‏تسلبنا أرواحنا وأسماءنا،

‏ولا تُبقي علينا سوى ملح الاغتراب 

تتآكلُ أجسادنا،

‏نتقلَّبُ على صخورٍ الانتظار 

‏نهشُّ الطيور الجارحةَ ‏عن موتنا الأخير 

‏وندفنُ بقايا الحبِّ على تلةّ الجبل الحزين 

‏المجبولِ بالدموعِ على أشجاره الموتى 

أشجارٌ كانت تصطاد التخوم  

‏من أفواه المجرّات النائمة،

‏ وتسلبُ اللهفةَ الأولى من عيون الطفل

‏وارتعاشةِ النهر في بكاء الليل 

‏لاشيء يُثير رُعبَ النور

‏ مثل عينيكِ 

‏بين نسائم الفجر يُذكر القمر 

‏المذبوح بين يدك بأنكِ قاتلة

‏ولا شيء يسلب صفاء البلّور 

‏سوى ضحكاتك 

‏يا أنتِ أيتها المدفونةُ فيّ 

‏خذي هذه البذور لتكبري، 

‏ونستحيلَ شجرةً مرةً أخرى

***

غواية المرج

تراءت ‏لي في شجون العُشب 

أماني تحلِّقُ في الغياب،

أحلامٌ خريفية تتساقطُ وتتلاشى 

في ارتطامها بعنفوانِ ربيعٍ راسخ

نظرةٌ تزمجرُ وهي تمتطي 

ظهرَ بحرٍ ملتهبٍ،

تمخرُ العباب نحو المدى الشارد

‏تراءت ‏لي في وحدتي 

‏طيوفٌ من النورس 

‏وكنتُ اُشيح بناظري عنها 

‏هذا البكاء لاينتهي 

‏وانا اُجدّفُ قواربَ الرحيل 

‏ولا اُصغي لصوتِ الدمعة 

‏وهي تحرقُ الملح 

‏على أصابعِ يدي 

‏وينتثرُ اسمك بين شقوق 

‏جدران الأمل الزائف 

‏ولايخُضُّ الليلُ وجداني 

‏وأظلُّ أسرحُ في متاهات النجوم 

‏أفكرُ بسرقةِ الإله 

‏يدُه 

‏ويدي 

‏ويدانا 

‏لأجمعَ نشوة التراب ِ

‏من رحيق روح الله  

‏وأصنعكِ من جديدٍ 

‏حُلمًا 

‏ألمسُه بيدي

***

الشجرة الأولى في نبوءة الخزام

هجرتني شجرةٌ خضراء

أتوقُ للغُصنِ، أتوقُ للورقةِ،

‏ولا أعرفُ كيف أواسي الريح!

ولا كيفَ أرثي الربيع !


لا أعرفُ كيف أزرعُ روحي !
‏

ماري جراح الدمع المُتّقد على شرنقة الليل

‏ماري عذابات الفجر المسموم بالوداعات

‏ماري شمعةُ القُرنفل المّعطّر بالرحابة

‏ونهاياتُ الأمل الباكي على موجةِ الوداعة

‏ماري خليلةُ البهاء النازفِ على بتول الفَراش

‏ماري كواكبُ الروح المدغدغةُ بشعاعِ النور

‏وتهاليلُ العصافيرِ المُهاجرة إلى براحِ البرزخ

‏وسماءات البحرِ الكئيب المُثقل بالدمِ والعار

‏ماري اشتياقُ الفجرِ لزهرةِ الشفق الأخيرة

‏وتشكُّلُ اللهِ على مبسمِ الأطفال

‏ماري معبودةُ المطرِ وحدائقُ الصفاء

‏وتلهّفُ النسيمِ على خصرِ الوديان

‏لم يعد لهذا النهرِ مصبٌّ سوى دموعي

‏ولم يعد لهذا الوجدان صورةٌ 
‏سوى طيفُكِ الأخضر

‏يسكنُ الرؤى هديلُ الألمِ،

‏وتستبقُ الذكرى على أحداقِ الأمس،

‏ويقرأ الصباحُ على مذبحة ِالتلال‏ شِهابَ التعاويذِ وزمجرةَ العُشبِ الكثيبِ
‏فوقَ تراتيلِ القصيدة،

‏وتظلُّ حِجارةُ النبوّةِ 
‏تُلقي على دمِكِ الأخضر
‏اسمي، ووجهي، ودمي، 

‏ذاكَ الندى فوق سنابلِ الخزامى
‏تَحوَّلَ إلى زوبعةٍ من الأشواق 
‏كُنتُ بوجهكِ ألوّنُ السماءَ بالزُمرُّدِ،

‏كُنتُ بصوتكِ أُغنّي بلغة العِطرِ

‏كُنتُ بيدكِ ألمسُ الإله

‏كُنتُ بخصركِ أكره نِساء العالمِ

‏وحيدًا،
‏بِلا ظِّلٍ،
‏بلِا شجرة.

___________

*ماجد الفهمي، شاعر سعودي من مكة.

زر الذهاب إلى الأعلى