عيون تسع الظلال – إبراهيم الحسين

عيون تسع الظلال

أنْ ننسى، أن نضعَ خطّاً فوقَ أحاديث نسند بها لقاءاتنا؛ كي لا تميل

أنْ نضعَه فوقَ ثيابٍ، صمدنا داخلها، ولم نتقهقر..

كنّا جسورين على كلّ ما يجعلنا قريبين من النسيج، لا نتزحزح

أنْ ننسى، أن نُخْرِجَ من جيوبنا كلَّ الطرق، نطوِّحُها قليلاً، ونقذفها مثل حصاة..

الطرق التي درجَتْ فوقها الضحكات، الطرق التي ضاقت، الطرق التي نحُلَتْ فلم تجد غيرَ شرودِنا كي تنطوي فيه أنْ نكفَّ أيدينا عن التواطؤِ مع المرايا.. كي لا تقولَ

أنْ نخرجَ على المرآة، أنْ نفرَّ من حبالها؛ نافرِين أو دامِين حتّى.

ألا نبقى أسيري نظرةٍ بلهاء أنْ ننسى، أن نكسر بيضةَ الحياة، ونسيل، بأبيضِنا وأسودنا، ليس بأيدينا غير عيونٍ تسعُ كلَّ الظلال أنْ نغفر حتّى الغبار، الذي جاء متعباً، فاضطجع واضعاً رأسه على أوّل السطر أنْ نركضَ مسرعين خلف اليد، كي لا تصدم بيأسها، اليد التي استشاطت، فلم تتورّع عن أيِّ شيءٍ حتّى الكتابة.


الثوب

في الثوب، يدٌ لم ترتفع؛ لتدارُك دمعٍ لا يهتدي إلى مصطبة العين، يبقى راكداً في منابعه ويأسنُ. وهناك أيضاً صدرٌ، بشعرٍ قليلٍ، صالحٍ كمبرّر لامتناع النوم، عيونٌ لا ترى شيئاً غير سجائر فوق طاقة المنفضة، أصابع مطويّةٌ على شكل قبضةٌ تُستخدم لاتكاء الذقن، أصابع زغبها خفيف، أشعثُ، أصابع لم تعجز حتّى الآن عن احتضان السجائر، أو الارتفاع أحيانا لحكِّ فروةِ رأسي، الانبساط لاحتواء الشعر والمكوث قليلاً هناك.

وقد لا يفيد القول أنّ في الثوب شفتينِ سالكتين، فقط، لنفث الدخان، وأنّ فيه بشرةً تبرهنُ أن الجوَّ حارٌّ، وأنّها ليست وعرةً لأنّ العرقَ كان يتسلّقها دون حذر.

وقد لا يفيد القول أيضاً أنّ فيه أذنين مشغولتين بتهدُّمِ الليل، لا تريان ما يمنع ولوجَ سبّابةٍ تتحرّك سريعاً ثمّ تمضي، مشغولتين بدخول الهواء وخروجه من الصدر ذي الشعر الخفيف، وبزعقةِ القدّاحة الهيّنة.

في الثوب ذاته، قدمان سائبتان، وجدتا أنهما تحملانِ جسداً داخل ثوبٍ صعب، ثوبٍ لا يجابه، وليس من اليسير التقدّم فيه، أو الفرار من نسيجه، الثوب الذي لا بدَّ من عبوره.

وقد يكون في الثوبِ، ما ليس فيه، من شراهة الحوائط، وجسارة الضوءِ، وكذلك من وقاحة الأرض التي لا تصوِّبها ألا نحو أُولي الثياب المتشابهة. من استغراق نملٍ في الذهاب والمجيء، في الدخول والخروج من ثقبٍ تحدّق فيه وتفكّرُ لو تخرج من ثوبٍ صار واسعاً حدَّ الألم.

في الثوبِ، ذراعانِ هادئتان، يهمي الضوءُ فوق شعرهما الخفيف. ذراعان سئمتا الاجترار. ذراعان هادئتان، لا ترغبان في رؤية الثوب، أو صلابة نسيجه. ذراعان كَفَّتَا حتّى عن التفكير في مجرّد محاولةِ شقِّ الثوب.

المهم أنّه ليس في الثوب، ما يدلّ على البكاء.


*نص: إبراهيم الحسين
*من ديوان: انزلاق كعوبهم

زر الذهاب إلى الأعلى