حفَّار القبور – ماريو سكاليزي – ترجمة: محمد لطفي اليوسفي

حفَّار القبور

رأيتهُ بفأسٍ حادّةٍ يحفرُ الأرض الصمّاء

رأيته حفَّار القبور الكئيب، الشيخ الأبديّ

حطَّمت طلعته الشقيَّة مثل قبضةٍ ثقيلةٍ

شعاع الأمل الكريستاليّ في قاعٍ روحيّ.

كيف يُمكننا أن نعيش غير مبالين، أن نضحك

بينما يداه توسِّعان تحت أقدامنا

الحفرة الباردة حيث الموت يستدرجنا

نحن الأُلى فقدنا الأملَ في رحمةٍ ما، في خلاصٍ ما؟


كيف يُمكننا أن نؤمن بالربيعِ، بالفجرِ،

بالأفقِ اللازوردي، بالشمس، بالأنهارِ، بالمستقبل؟

كيف يُمكننا أن نظلَّ سُذَّجاً غافلين

حتّى نُنفق أيامنا في الزرعِ والتشييد؟

في حين يكفي أن نصيخ السمع قليلاً صامتين

إلى الإيقاع الرَّتيب لدقّات قلوبنا

حتَّى نسمع ضربات فأسِ حفَّار القبور

تدوي في وجيبِ الدّم.

شعرٌ أبيض، ظهرٌ أحدب، لكن قوَّته ظلَّتْ خارقة

معطفه الأسود يلفُّ الأمس ويلفُّ الغدَ،

رأيتهُ حفَّار القبور منتفخ الصَّدر يكدُّ

مفتول العضلات لا يكلّ.


الحفرةُ التي كان يوسّعها بدتْ من عمقها هاوية

لا شيء في الدنيا يمكن أن يملأها إلا الكون كلّه.

كلُّ الدروب في الدنيا ستنتهي إلى هذه الحُفرة،

والناس الطيبون والأوغاد المارقون فيها سينتهون.

أجل ههنا ستسقط البشريَّة جَمعاء، هذا نهرٌ

من وجوه، نهرٌ من أصواتٍ، من أصابع ملتوية، نهر من قلوب،

والليل يُهدهد جباهنا في حضن امرأة ثكلى،

والشمسُ مذبحٌ تنزفُ على مدارجه دماؤنا،

رأيتُ الناسَ يعبرون، مجانين أو عقلاء،

رأيتُ الأطفال المأخوذين بالأمجاد والمسرّات،

النساء اللاتي تحلّين صدرياتهن بالورود،

النساء اللاتي تسمعن نداء العطر فتهبن من خيراتهن.


أمواتُ المستقبل، الأُلى نفوسهم تتقي بكلِّ طيشٍ

تحذيرات أشجار السروّ

أمواتُ المستقبل يكادون لا يلمسون

على الطريق

آثار العبور الأبديّ لمن كانوا أحياء في الماضي.


الشكرُ لكَ يا إلهي، الشكرُ لكَ، أيُّها الإله الرحيم، الإله العادل جدًّا،

يا من تقبض الأنفس جميعها.

شكراً لك فقد عجنتَ بيدكَ الطَّاهرة

زهرة أعوامي العشرين.


بفضلكَ وحدكَ سأستطيع أن أنزلق داخل الحفرة المعتمة

دون حسرة على نور النهار.

سأُزَفُّ إلى الليل، وسأحيي ظلّ

قُبلتي الأولى.


لكن اسمح أن تجعل قلبي دمعة حمراء

اسمح أن أرفع الصوت عتاباً

حين أسمع النشيد المُخادع الذي يغذي

أملَ المحكومين بالإعدام.


*نص: ماريو سكاليزي

*ترجمة: محمد لطفي اليوسفي

زر الذهاب إلى الأعلى