(ثعالبُ الريح) وقصائد أخرى – أحمد الوهيبي

(1)
ثعالب الريح

بعين صقر تروز بصيرٍ

المراوغة الأخيرة للطريدة


النهارُ ينتظر خلف النافذة

فاق باكراً وسقى الحبق والنعناع


إن كنتُ طائراً کوني شجرتي خبئيني في ظلكِ

لئلا تعثر عليّ الغابة


ظلمة تحوم كطيورٍ فوق حقل

تغريني بالبقاء في زاوية الغرفة


انتظر يا نهار، كل نهار في الخارج

سأعبر نهركَ صحبة خراف وأعشاب يابسة


أروي لكِ عن الأفيال

عن مفاتيح قديمة لأبواب منسية

وعن كنز الأجداد المدفون في ميناء جزيرة بعيدة

أصنع لكِ طوفاً من قناني فارغة

أشده بخيوط الحكاية

فقد لا يأتي وينقذنا من ليل الناقلات

جزيرة معزولة قد لا يأتي ليعبر بنا أحد


لا ظل لي ولا شجرة

سريري كلمات

وأحلامي خدعة قديمة

تعلمتها من بائع كتب مستعملة

نجوم حارسة تنصب فخاخ للعتمة

نامي واطمئني يا ثعالب الريح.


(2)
في مساء ماطر


في مساءٍ ماطر في قصبة المهدية،
وقد بلل التلال شذى الزهور البريّة
والنهر يلمع من بعيد بذهب المغامرة
قررتُ اقتحام القلعة وتحرير الأسير الأمير ابن المعتمد بن عماد
وتهريبه على قارب بمحاذاة سور العميان
الواصل بين المهدية ومكناس
عبر بنا صديقي البحّار إلى الضفة، وسرجت
للأمير حصاناً طائراً
طلب مني أن أرافقه إلى أغمات
اعتذرتُ؛ لأني مهاجر وحقيبتي مليئة بالأحجار
عدتُ ليلاً بعدما انطفأت المشاعل وتهدمت أسوار القلعة
عندما استيقظتً
كانت آثار حوافر الخيول تملأ البيت
والنهر ينام على الأريكة
وصديقي البحّار على قاربه في المطبخ
يدخن مغمض العينين. 


(3)
خريف الشحرور

في صباح عتمته الغيوم ومصباحه المطر، يقف الشحرور على السور يهدهد أمواج المحيط العالية.
عند الغناء ينفش الطائر الأسود ريش حنجرته، يغمض عينيه ويشغب إلى السماء، ينفض منقاره ويرسل وصلات شدوه الطويلة في الأفق، بعض صفيره نداء وبعضه الآخر متواليات في الحنين، لنسيم الصباح المشمس، وصحبة الرفاق في رحلات الصيد واستراحة الضحى على حواف لأقطار الأثير الصدئة. 

في الأيام المطيرة يتفرق السرب، تختفي الحشرات الطائرة وتغرق الديدان في الأوحال، وتتمترس اليرقات خلف ضلف
اللحاء الغائر، لا جدوى من البحث والتحليق بأجنحة مبللة، مثقلة بالقطرات والبلورات المكثفة. 

لذة الغناء والنشيد، كل ما يتبقى لطائر مغرد أفرده الطقس الغادر عن وليفه، عيشه وعشقه ومتعته، معنی وجوده في هذه الرحلة القصيرة. 


*نصوص: أحمد الوهيبي

زر الذهاب إلى الأعلى