وحيدةُ البحرِ – قاسم حداد

1

دَعُوها،

هذهِ الوحيدةُ في البحر

تأخذُنا لجُرحِها الفاتكِ، وتُعطي غُرورَها بهجةَ الأشرعةِ

الوحيدةُ في البحرِ

كأنَّ المَراكب لا تَرى الأفق إلَّا موصولاً بها.

دَعُوها

تسوّرها شّهامة الأسماكِ

وتفخر بها الصَّواري المَنتورةُ مثلَ رسائلِ الماء.

لأجلها بجَّلْتُ زعفرانَ الأقاصي

مَدحتُ الأبيضَ لينسابَ مثلَ غنجِ السَّاحراتِ

وهنَّ يَخلعنَ الفتنةَ على السُّفن.

آخيتُ حجرَ الميناء

وصلَّيتُ لأجلها، الوحيدةُ في البحرِ

تضرَّعتُ أن تظلَّ وحيدةً تكسر الريح

وتعيدُ لموجِ الهُجوم خيولها الجَامحة

لتظلَّ وحيدةً مثل حِصنٍ.

لكنَّها تَبذَّلتْ أمام مبعوثِ السماسرةِ

لهَتْ بصرير المصارفِ

وخذلتْ بَسالة النَّوارس متكاسِرةً

وهي تُمسكُ ذيل فُستانها الأزرق.

تلكَ الوحيدة في البحر

دعوها

وحيدةً في البحر

لعلَّها في التَركِ ترأفُ بطفلها الشَّارد الوحيد.

2

وحيدةٌ في البحر

تنساني وتتذكّرُ المُستقبل وتلهو

فيما أبتكر شهوة السَّفر والمُغامرات

لأجلها،

أعطي دَمي لجنون الموج

لأجلها، الوحيدة في البحر

لأجلها

تحاجزْتُ في حَديدٍ مُترفٍ

وفتحتُ أعضائي على النار

لئلا يَنتابها الغزو، لئلا تصاب بالحجر.

لكنَّها رَقَصتْ مثل البجعة المَغدورة

لا البحرُ لها ولا البحيرةُ

أقول لها تسمع وترى ولا تقول.

منحتُها القلب تمرّغه في طينِ الخَنادق

وتقيس الأصفاد على مرفقي وتلهو

منحتُها جَسدي تُجرجره من قتلٍ إلى قبرٍ إلى مِقصَلة

وها أنا قاب قوسين من الفقدِ

وهي تَلهو بي وحيدَ القلبِ والجَسدِ والشَّفتيْن.

أحسنتُ لها المديح، لعلها تمنحني الرِّثاء.

ستذكُرني في نسيانها … وحيداً

شَحَذته المعاركُ وغرَّرَ به الولع.

أخيراً،

أخيراً حيث لا يكون الوحيد موجوداً

وليس في البحر قرصانٌ تكاتُبه

ليسعفها بغارتهِ الأخيرة..

وحيداً في البحر.


*نص: قاسم حداد

زر الذهاب إلى الأعلى