قصائد مختارة لـ مارك ستراند | ترجمة: ميلاد فايزة

النبوءة
في تلك الليلة جنَحَ القمرُ فوقَ البحيرة
مُحيلاً الماء إلى حليب، وتحت
أغصان الأشجار، الأشجار الزرقاء،
تَمشّت اِمرأة شابّة، وَلِلَحْظةٍ

وقفَ المستقبلُ بين يديْها:
المطر ينهمر فوق قبر زوْجها، المطر ينهمر
فوق مروج أطفالها، فَمُها
يمتلئ بالهواء البارد، بينما ينتقل غرباء إلى بيتها

في غرفتها رجل يكتب قصيدة، يجنح فيها القمر،
تتنزّهُ امرأةٌ تحت أشجارها، مُفكّرةً في الموت،
مُفكّرةً فيه وهو يُفكّر فيها، بينما الريح تشتدُّ
آخذةً القمر وتاركةً الورقة للظلام.

مجيء النور

حتى في هذا الوقتِ المتأخّر يحدثُ:
أنْ يأتي الحبُّ ويأتي النورُ.
تستيقظُ والشموعُ تضيءُ وكأنّها قد اشتعلت من تلقاء نفسها،
تتجمّع النجومُ وتتدفّق الأحلامُ على وسائدك
باعثة باقاتِ هواءٍ دافئة.
حتى في هذا الوقتِ المتأخّر تلمعُ عظامُ الجسد
ويتوهّج في الأنفاسِ غبارُ الغدِ.

سبع قصائد
إلى أنطونيا
١
على حافةِ
ليلِ الجسدِ
عشرةُ أقمار تعلو.
٢
ندوبٌ تتذكّر الجرحَ
الجرحُ يتذكّر الألمَ
ها أنّك تبكي مرّةً أخرى.

٣
عندما نمشي في الشمس.
تكونُ خيالاتُنا مِثل بوارج صمت.
٤
جسدي يتمدّد أرضاً
وأسمع صوتي
متمدّداً بجانبي.

الصخرةُ لذّةٌ
وتتفتّح
وندخلها
كما ندخل أنفسَنا
كل ليلة.

٦
عندما أتحدّثُ إلى الشبّاك
أقول إنّ كلّ شيء
هو كلّ شيء.

٧
عندي مفتاحٌ
أفتح البابَ وأدخل
إنه ظلام ولكني أدخل
ظلامٌ أكثر ولكني أدخل.

سطور لأجل الشتاء
إلى روص كراوس

قُلْ لنفسك
عندما يبرد الطقس وتكفهرّ السماء
أنك ستستمرّ
ماشياً، سامعاً
نفس النغمة حيثما
تجد نفسك-
داخل قبّة الظلام
أو تحت البياض المشقّق،
بياض تحديق القمر في وادٍ من الثلج.
الليلة عندما يشتدّ البرد
قل لنفسك
ما تعرفه، والذي لا يساوي شيئا
غير اللحن الذي تعزفه عظامك
وأنت تتقدّم في المسير. وسوف يكون بمقدورك
لمرّة واحدة أن تتمدّد تحت نارٍ صغيرة
لنجوم الشتاء.
وإذا حدثَ أنْ لمْ تستطع
أنْ تستمرّ أو تعود
وتجد نفسك
حيثما ستكون في النهاية،
قل لنفْسك
في ذلك الانسيابِ الأخيرٍ للبرد في
أطرافك
إنك تحبّ ما تكون.

الحديقة
إلى روبرت بان وارن

في الحديقة تضيءُ،
في الأوراقِ البيضاء لشجرة الكستناء،
على حافة قبّعة أبي
وهو يمشي على الحصى.

في الحديقة المُؤبّدة في الوقتِ
تجلسُ أمّي على كرسيّ من الخشب الأحمر:
يملأ الضوءُ السماءَ،
وثنايا فستانها،
والورودَ التي تشابكت بجانبها .

وعندما ينحني أبي
ليهمسَ في أذنها،
عندما يقومان ليترُكا المكان
وطيور الخطافِ كالسهام تنطلق في السماء
ويغفو القمرُ والنجوم ،
فهي تضيء.

حتى وأنت تميلُ على هذه الصفحة
متأخراً ووحيداً، فإنها تضيء: وحتّى الآن
في هذه اللحظة قبل أنْ تختفي.

واضحاً في ضوء سبتمبر
يقف رجلٌ تحت شجرة محدّقاً في بيت صغير غير بعيد. يخبط بذراعيه كأنّه عصفور، مرسلاً، ربّما، إشاراتٍ إلى شخص لا نستطيع أنْ نراه. لعلّه يصرخ، ولكن بما أنّنا لا نسمع شيئا، فلعلّه ليس كذلك. ترسل الريحُ الآن قشعريرة من خلال الأشجار وتسوّي الحشيش بالأرض. يسقط الرجلُ على ركبتيه ويضرب الأرض بقبضتيْهِ. يأتي كلبٌ ويجلس بجانبه، فيقف الرجلُ، ويخبط مرة أخرى بذراعيه. لا علاقة بي بِما يفعله. يَأْسُهُ ليس يأسي. لا أقف تحت شجرة ناظراً إلى بيوتٍ صغيرةٍ. ليس لي كلبٌ.

لغز رسالة غير عادية

كان اليوم طويلا في المكتب وكانت رحلة العودة إلى البيت حيث سكنت طويلة. فتحت النور عندما وصلت فرأيت على الطاولة ظرفا عليه اسمي. أين كانت الساعة؟ أين كانت الروزنامة؟ كان خطّ اليد لأبي، ولكنه قد مات منذ أربعين عاما. وكما يتوقّع المرء فقد بدأت أفكر أنه ربّما، فقط ربّما، يكون على قيدِ الحياة، يعيش حياة سرّية في مكان ما قريب. وإلاّ كيف يمكن تفسير حكاية الظرف؟ ولكيْ أتماسك فقدْ جلست وفتحتهُ وسحبتُ الرسالة. «ابني العزيز،» هكذا افتتحها. «ابني العزيز» ثم لا شيء.

المصدر: جريدة القدس العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى