أذكر أني شحذت سكيناً ليلة أمس، وأني صوّبتها إلى قلبي لأنام، وأذكر أني رغمَ ذلك، لم أنم.
لم يكن من بلهٍ في السرير، ولا تحت المخدة.
الكلّ متساوون على حدّ الشفرة.
شفرةٌ تدخل الوريد،
فتنعشه.
سنقتسم الارتياحَ بالتساوي،
والوجع.
يجب تعليقه من أذنيه، هذا الكابوس الأخرق.
ـ “تسرني مجالسة البَلَهِ لأنهم يجلبون النّعاس.”*
***
ـ ما رأيك بغداءٍ هندي؟
ـ مأكولاتٌ حارّة لصقيع اليوم؟ فكرة رائعة.
مطعمٌ أكثرُ هدوءاً من شابٍ أسمر، يقف خلف الواجهة.
يشير الشاب إلى البوفيه، ويبتسم لـ “آندي” ـ ابن أختي النائم في عربته.
صاعقةٌ من وجهه، ضربتني؛ يطلّ من إطارٍ نحاسي.
أطباقنا مليئة بالبهارات. فلفلٌ أخضرٌ، يسكنُ إلى بياض الطّبق.
مطحونٌ بالصعق الكهربائي.
ـ ألا تذكّرك رائحته بـ “بلسم الآلامِ”؟ تقول أختي.
ـ أفضّل الرز مطبوخاً على البخار.
تتباعد الحبّاتُ لصاعقةٍ ما.
لن أحتسي الفلفل حارّاً.
ماءٌ بنكهة الإجاص لـ “ميتان”.
***
قاع الطبقِ، ووجهٌ يبرق بسُمرةٍ غريبة.
ألتفت إلى الشاب. أطلب ماءً بطعم الليمون. أسأله أحمرَ النحاسِ، في الإطار.
يلثغ بـ سويديةٍ أكّدتْ أنّه هو:
الذي لحس حدّ السكين،
ورمى بلسانه
تحت قدمي “لاكشيمي” و”شيفا “.
السكينُ التي شحذتها، وجرحتني بحيرة:
ـ بمن تريدين البدء؟
***
“شيفا ناتاراجا” و”لاكشيمي” في واجهة المطعم.
“شيفا” وعينٌ ثالثة في الجبهة. محاطٌ بأرواحٍ شريرة، وأشباحٍ، وشياطين.
تلتفّ الثعابينُ حول رقبته الزرقاء، وإكليلٌ من الجماجم، يطوّقه.
“شيفا” في “غوتنبورغ” التي هي “كشمير”.
ليت “غوتنبورغ” هي ذروةَ “الهملايا”.
شاهقةٌ رقصته الكونية،
في طبق الرز.
يدهس شيطان الجهل برجله اليمنى،
واليسرى؟
يرفعها إلى العرش.
يدٌ ترشدُ الحُجّاجَ،
إلى الكهف.
يدٌ تحمل رمحاً، في رأسه مثلّث.
يدٌ فيها غزال.
والرابعة تعقد شعره بهلال.
***
نصالٌ برّاقة، تهرقُ الغزلان.
يهرع الرجال لغسل العار. تنضح سراويلهم بـ “الفياجرا”، ووجوههم بالآثامِ.
جرّةٌ في حضن “لاكشيمي” تنضح بالماء.
تجلس في النيلوفر.
تنثر قمحاً فوق الطاولة،
وللفيَلةِ، ترمي العاج.
“لاكشيمي” بأيديها الأربعة.
لم أجد في إحداها شفرةً، ولا نصلاً تيبّس عليه الدم.
ياللعار!
حسناواتٌ يكسرن عصا الطاعة. يرغبن الحب، وأن يكنّ نساءً.
سكينٌ بارعة تتصيدهنّ في كردستان وعربستان. في تركمانستان، كازاخستان، طاجكستان وهندستان.
في إيران. في الصومال، في السودان؛ في أوربا الشرقية والغربية، وفي صقيع الإسكاندناف.
يباركنا “شيفا” باللعنات.
***
وعدٌ قطعته لـ “شوبنهاور”:
لن أخسر ثلاثة أرباعي لأكون كالآخرين.
“هيفين” عطشى.
قال: إنزعي الذّهبَ عنكِ. الأقراط، والأساورَ والساعة.
لا حاجة لك بالتوقيت.
كلّ الساعات ظلامٌ، وأنتِ: بقعةٌ منه.
تشتهي ماءً مثلجاً، يبرّد في قلبها الرّصاص…
لم تزدكِ تفاهة دمعي، إلا احتراقاً.
سلامٌ عليك. سلامٌ لروحك الجميلة. هادئةً. ساكنة ومطمئنةً.
مثل إلهٍ صغيرٍ،
ترقدين.
تسبل “دعاء” جفنيها على الخجل.
تجرّ أطراف الثوب إلى الساقين. يهرس الحجرُ رأسها، ويوسّع الحدقتين.
لك في الحجر رحمةٌ.
بشّري الروح بالسكينة.
“ماريا” تسحب السكين من صدرها.
للعذراءِ، تتلو الصلوات.
سهيلة. هاجر. عائشة. أمينة و إيمان.
نساءٌ تحت المقاصل.
نساءٌ في الأكياس.
يرمقن الوجوه.
وجوهٌ تغطيها ليالٍ حمراء…
حيّ على الصلاة. حيّ على الصلاة.
***
صدور الدجاج ليست جافة. يترعها الهنودُ أساطيراً.
سكينٌ في يمناي.
أفتح واحداً.
يصرخ القلب:
أغلقي الجرحَ بلَوْعةِ الفلفل.
نارٌ في كردستان.
نارٌ شبقة لا تَشبَع، ولا تُشبِع طراوةَ النساء.
***
ظلّت صديقتي الشاعرة، “الدهوكية”، تحكي طفولتها.
شبابَها يذوي بين الجثث.
جثثٌ لا وقت للتعرف عليها، في صفّارات الإنذار.
طائراتٌ تترك الكيمياء لتفاعلاتٍ مدهشة.
معادلاتٌ لا زلتُ أكره حلّها بأكثر من وجه، وكلّ الأوجه جائزة للانحلال.
ثقل الليل ماضٍ.
يصل مشارف الضوءِ،
وأنا أتقلب في السرير.
ثقلٌ يكتم أنفاسي. تمتلئ عيناي بتفاعلات الكيمياء.
ثقلٌ فوق رجليّ.
لست نائمة.
انحباس الصوت في حلقي،
يُنهض الثقل.
أضيء أَخْفَتَ اللمبات.
لن أوقظ صديقتي النائمة فوق “الصوفا”.
أشرب ماءً.
أندسّ في الفراش.
أخشى إيقاظها إن حرّكت اللحاف.
لحافٌ من الريش.
يصدر حفيفاً كلّما تنفّست.
***
هدوءٌ،
شبحُهُ في المطبخ.
تشرب صديقتي ماءً،
وتخشى إيقاظي
إن هي غطّت رأسها بالريش.
ـ شبحٌ في سريري، سلوى. لمَ استيقظتِ الآنَ بالذات؟
ـ أحسَسْتِ بثقلٍ يخنقكِ؟
استيقظتُ لأنني افتقدته الليلة.
نتجنّب الريش،
حتى لا نوقظ “ميتان”.