يقول بعضهم: هناك في الكتابة حدود لا يجوز اختراقها. أو هناك «ثوابت» لا يجوز المساس بها.
ومعنى ذلك أن على الكتابة العربية، فكراً وأدباً، أن تظل دائماً داخل هذه الحدود.
لكن، هل تقدر مثل هذه الكتابة أن تقدم للقارئ إلا مزيداً من البعد عن الحقيقة، وعن الواقع؟
وهل يمكن الكتابة المطوّقة بمثل هذه الحدود أن تكون عظيمة؟ أو أن تضيف شيئاً جديداً؟
و «تحديد» الكتابة أو «أسرُها» – ألن يكون أسراً للغة، وأسراً للإنسان؟
*
إفراط
الإفراط في فرض اتجاه فكري على المجتمع لا يؤدي إلا الى الإفراط في التمرد عليه.
والأفكار التي تُفرض بالقوة، وتعمم بالقوة، لا تكون موضوع إيمان، بالنسبة الى معظم العاملين في حقول الفكر والأدب بقدر ما تكون موضوع خوف.
هكذا تُهيمن شكلياً، وسطحياً. وتفقد فاعليتها ومعناها. الأفكار الخلاقة الفعالة هي التي تولد حرة، ويستجيب لها الناس بحرية، من دون ترغيب ومن دون ترهيب.
*
ابتذال
الأفكار الشائعة، المبتذلة، تبــــدو فـــي الظاهـــر كلية الحضور، غير أنها في الحقيقة كلية الغياب.
الأمثلة في الحياة العربية كثيرة جداً. نرتطم بها أينما توجهنا.
*
فروقات
هناك فرقٌ أساسيٌ بين العمل النهضوي العربي في القرن التاسع عشر، والعمل النهضوي (الثوري) في النصف الثاني من القرن العشرين. يتمثل هذا الفرق في أن الأول كان يدور، بعامة، على تحرير اللغة، العلامة الأولى على الهوية، مما يمتلكها، وممن يمتلكها بوصفها «إرثاً» خاصاً. بينما دار الثاني ويدور، على العكس، حول تملكها بوصفها «مُلكاً» خاصاً.
ولقد استحوذ النظام السياسي العربي في هذا العمل الثاني على كل ما هو خارج اللغة، فيما يُصارع لكي يستحوذ على اللغة نفسها – فلا شيء، اليوم، خارج سلطة هذا النظام إلا اللغة، جزئياً.
هنا تكمن أهمية اللغة الفنية، الشعرية خصوصاً، في وجهها التجريبي. ففي هذا الوجه ما يجعل اللغة متحركة، حرة، عصية على التملك، سواء كان سياسياً أو ايديولوجياً.
ويؤسفني أن أقول إن هذه اللغة شبه غائبة.
*
صحيح أننا لا نجد في الذائقة العربية السائدة، فكراً وأدباً وفناً، ما ينفتح على طاقات التجريب، أو يشجعها، ذلك أن التجريب يُضمر «المغامرة» و «الاضطراب، و «الخطر». فهو «حربٌ» باللغة على سُبات الأشياء والأفكار، تزعزعها، مخرجة إياها من مدارها «الهادئ»، «اليقيني». وهو كذلك» حربٌ» داخل اللغة نفسها. وهذه الذائقة تميل، على العكس، الى الهدوء، والطمأنينة، والتعقل. إنها ذائقة «حدود» ثابتة، و «قواعد» راسخة.
ألهذا لا نجد في العالم، اليوم، ثقافة موقنة، واثقة، كمثل الثقافة العربية؟
وهي ظاهرة ليست، في أية حالٍ، علامة قوة أو صحة.
*
سلطان الزمن
لا سلطان للزمن إلا على اسمه. لا سلطان للزمن إلا على النوم. كلا، لن أروّض رغباتي. سأقتحم هذه الأعالي، حتى لو كان إيكاروس وأشلاؤه طريقي إليها.
إنها الصخرة لا تزال صُلبة، وفي أوجها.
إنه سيزيف لا يزال يُدحرج موته الكريم.
ضُميني إليه، أيتها الكرة المنوَّرة، يا أحشائي.
*
امرأة
قلبها سابح في الفضاء، وقلبه مركبٌ جانح.
نطفةٌ من محيطها تكفي لكي تكون شراعاً آخر. هيّا، أيها المركب، انطلق.
*
قارئ/ قراءة
هل تُريد، حقاً، أيها القارئ، أن تنتهي القصيدة بين شفتيك فُقاعة في كأس، أو قشة في بحيرة؟ إذاً، أحتاج الى ما يفصل بين وجهك وبيني – سماء للنزهة، مثلاً، أو جنة – خزانة لثياب حواء الداخلية. وداعاً، مع انني لا أعرف أين أتجه (الأصل يجهل الأصل، فمن أين للظل أن يعرف الظل؟).
لكن، أعرف تماماً طريقي.
*
لا وحدة، إن كانت مجرد وسادة للواحد.
*
هل تثق، حقاً، أيها الحقل، بالغيم؟
هل تثق، حقاً، أيها الغيمُ، بالبحر؟
*
في الليل، في أثناء نومي، لم أتوقف عن القتال مع حية آدم. لا لكي أقتلها، بل لكي أقنعها أنها حيةٌ وليست امرأة.
لكن، لماذا لا أحاول أن ألهو معها، مرة ثانية، على الضفة الثانية من نهر المعنى؟
*
ثمة صراخٌ له وجه الموج.
وجِّه شفتيك وعينيك الى الأمام والأعلى، أيها الكوكب. تذكّر أورفيوس.
*
أصغيت إليك، أيها الغبار، وأُصغي. أضم صوتي الى صوتك وأهتف. نعم، تقدر حُفنة من الغبار أن تتمرد على قبضة الكون.
*
امرأة – عندما أنظر إليها،
تُقاتل يُسراي يُمناي،
وتغار عينيّ من عيني.