ونحن من وراء جلودنا
عيونٌ عليها ثيابٌ
فلا نرى.
عشب الحداد غامقٌ
في ذلك الصباح.
والعتمة السائلة،
ينتصب فيها المسافرون أعمدةً
تشهق كالتلال.
هو منفانا الأفقي:
جرادةٌ زرقاء، تمسك القاع بموتها
ولا تطير.
وتلك عيوننا القديمة
ولا اكتمال.
كل جسدٍ زورقٌ للطوارئ،
وعلقتهُ الريحُ على كتفِ سفينةٍ
من عظام.
والأرواحُ في أدوار الحبّ
حقائب مغنى.
لترقص بأقدام الفراشات.
طيورٌ تتلبس صفات النهار.
تحلق كالحقائب.
لتمسك الميناءَ بنظراتها وتدور.
بيرةٌ
وضحكاتٌ
ومقامرون بقبعات الصخب.
طقوسهم خرائط تتبخر فيها
الكشوفات.
وما من أحدٍ دخّنَ نفسه
أكثر من بلعوم البوقِ الأعظم
للإقلاع.
غروبٌ من أول العقلِ إلى آخر التخوم.
وعلى الطريق الأعمى،
يتدحرج الوداع ثمراً مقطوفاً
من قامات.
***
أيّ ذئبٍ تمزقت بين أصواته
أرضُـنا.
لنقذف للطوفان الأنفس ألواحاً،
ونعوم منازل تتبختر على المياه.
لم يكن للزمان في ركابنا مأوى.
كنا نتكور
نحدودب
نضيق.
ونسفح ما في اللغات من نجوم.
تاركين الأقدام بالهجراتِ
تفيض.
***
أيها الكابتن
نحن حطبُ تايتانيك.
وبآهاتنا لن نحرق دلافين تسبقنا
لمستقبل تقطع بيننا كالقلادة.
أهي تايتانيك.
أم أرض مقذوفة في أكواريوم سكران.
أرض الملوك والعبيد والغجر والشحاذين
وأهل التيه.
أرضٌ منامةٌ
والأحلامُ ريشٌ على الخرائط.
ما من مُبتعد عن تراب مُبعد،
ولونه القزح.
وما كل راحل جنازة على المياه.
نحن خيال الكمنجات
تطير فوق أوتادها نهودٌ،
عُلّقت فوانيس على صدور البنات.
روز…
هات يدك من العبث.
لا تفري وحيدةً من عراق تهدّمت
مصابيحهُ،
وليس فيه من قلاع لقلبك.
سيضيق بك البحر
وأفواهنا ستخسر فهرسَ القبل.
روز…
جسدك يضخُّ في عيني شموساً.
وفرشاتي تتكهرب بين الأصابع.
أهي الريحُ،
أم الشهوات تتصادمُ فيكِ
وتفور.
أهو أنا التمثالُ الراكض إلى الأعلى،
بحبّ مقطوع الكفّ.
***
جاك…
وما قصفنا لكَ الرأس
إلا لنعيد إليكَ مجدَ العبث.
أنتَ الذي رأيناهُ دهوراً ممزقةً
كتبه،
وتحمل الرماح أطلالكَ.
تشردكَ موجٌ بقوائم من عواصف.
وبلادكَ نخيل ديناميت،
وعليها العندليب الأحمر للظلام.
***
يا إله الماء والكهرباء.
من فتح الآن علبة َ الليل في نفسي ،
وفكر في مغادرة التوحش مبكراً.
روز…
عينايَ كأسان،
أطفأتهما الخمورُ.
أيتها المقروءة في عمايَ.
الواقعة مني كسور الصين.
تعالي انظري في قرابين بابل،
مسلات لسمكٍ يتقافزُ
فوق خطوط الحروب.
***
جاك…
يا من شققت لي ليلي.
وقشرتني تفاحةً
كانت فوق سرتي تتدلى من سقف
الزمان.
أنتَ الذي غنيتَ آلهتي…
وحتى تساقط الريش عن العرش.
أيها المستفردُ في مشوار شهوتي،
هاكَ صندوقي الأسود.
هاكَ إشتقني من لغة الصوت.
أيها النحوي الطائشُ بإعراب رقصي.
***
يا إله الماء والكهرباء.
قدمايَ رملٌ…
وكل اتجاه لي فيك هاوية.
روز…
ما من سفينة بين نهديكِ،
إلا ويجنح في قلبي عقـُلها.
وقد رأيتُ طيري،
يفكك أجنحةً ويهوي في هواكِ.
روز…
يا مصباحي الذي أقفله على نفسي
لاستعارة الشلالات.
جاك…
يا فلفلي الأحمر.
تعال نفتح البحر محارةً
للاختباء.
كم من مسدس في الشارع الأعمى
يغرد خلفنا.
تعال نواس النوارس في خمارة
ما بعد الشهقة الأولى.
قلبي يقفزني أرجوحة برد..
وحتى قطيع الندى النائم في عينيكَ.
روز…
البحرُ مقدمةٌ لمنفى بلا فهرست.
وميراثي قيراط حب يغني غرقي.
أنا الذي ملكتُ لونَ الليل،
ودفعتُ بالزلزال قارباً في ملكوته.
عربدتي كونتيسةٌ بشعر من قماش الحقول.
ورسائلي بنادق،
عُلقت بمشاجب الأجفان بين اللغات
يا إله الماء والكهرباء.
جدران البحر في جدران السفينة…
جدران الأجساد في جدار الموت…
لقد جاء منفايَ الثملُ في كأس،
يئنّ فيه الثلج.
كأنها سكرة الغياب الأخيرة.
***
جاك…
لم تصلنا وردة ُالربّ،
لنمسك بخيطها.
روز…
أحبُّنا زجاجة تهشمت.
ففاضت برمالٍ من الأرواح،
لتصعد.
جاك…
إياك أن تتجمد كالطابع أمامي.
كن صورتكَ المعربدة في بريدي.
كن نصّ تاريخي في الغريق
الطرّي.
ولا تأبه بسفينتنا المصابة بالفصام.
روز…
إنه الثلجُ
منجمٌ ستختفي فيه عذوبتنا.
تماماً،
فهل أفرطنا في الشراب.
جاك…
إني أرى زماناً على الماء
يمشي.
كأن كفيفاً يتوكأ على عكازٍ ضبابي.
كل شيء يذوب:
الترابُ القديمُ والثيابُ والطيورُ والهواءُ
واللغاتُ.
فيما عيناي تدخنان عطوركِ.
روز…
تعالي نعدم العالمَ برقصة
تتطاير منها أقدامنا.
فما من سرير لأرواحنا سوى
المياه.
وهناك نتبخر مع مرآة،
طالما تشظت عليها الرغبات بحراسها
الأشداء.
فأين هي أرضُ الكأس،
لنتأمل فيها أشكال النواح بعد طول
مسيرة الثعابين تحت ظلالنا.
هل الأمواج أجنحةٌ من الفولاذ.
لتخطف الكرز من الشفاه.
يا إله الماء والكهرباء.
ثمة علبة ثقاب أخيرة تحت المياه.
وأنا بعيد عنها في العراء هذا.
أهي علبة الماضي،
حيث كنت أحرسُ نارها في الأساطير
وعلى ظهور المسلات.
أم انشقّ قلبي فلقتين:
فدخلتني حربٌ
لتستوطن هيكلي.
وحربٌ لأختنق في جرابها.
جاك…
لا تكن أطلالاً لهذا الجليد.
وانظر إلى الشبح القادم من الزقاق العلوي.
حيث الدموع طبولٌ تخفت زقزقتها.
وحيث التاريخ على سطر من الماء
يتكسر.
روز…
كل ما لنا… ليس لنا.
النبيذ والحب والثياب والرقص والياقوت.
واللغة التي تقاسمنا الرغيفَ معها،
حملت تاج هلاكها وابتعدت.
***
جاك…
هل هو الخوف.
حيث تلمع في الأصابع خواتمه.
روز…
أنا
الآن
مطبعةٌ
تلفظُ
آخرَ
الأوراق.
نصوصي خرائب من العشاق،
وبلاغتي تيهٌ ينمو على جسور
تسبقني.
جاك…
المياهُ زجاجٌ نعسان،
فلا تترك عليها أغنيةً
من أسطوانتنا.
روز…
قلبي منطادُ بنفسج.
يبتعد عني غارقاً في عين
تهدّمَ سقفها.
وأنا لا أريد الحب معي يذهب…
فلا تولدين.
أرى بحراً في سفينتي ينزل.
وأسمع عربدةً تحت جسدي
تجفّ.
ثمة عرباتٌ تحلّق
وشوارع كأوراق كتاب
تتقلب.
أرى الليلَ أبيض.
والموتَ أبيضَ.
فلمَ يُـكمل الربّ لوحتي إلا بحر
رحيل يسوّدني الآن.
عيناي نقطتان تضيعان على وجهي.
والوطنُ الطار منا على دفعات
لا نزال نهرول على خطوط غباره.
جاك…
وطن الأولين ذاك.
كان برجاً..
وكلانا اليوم راوٍ لأنقاضه.
صوراً لجباله المعممة بفساتين الشياطين.
تعال جسدي الحانة.
ودع لسانكَ دلواً في نبيذي.
***
روز…
أحسّ
الموتَ
يعاقرني.
جاك…
سأسكر بكَ…
ولا أراكَ قبةَ أناشيد
تتساقط جثثاً في العين.
فأيّ موت يغردّك بحنجرته الآن.
وأية آلهة…
تسحبكَ من نوافذي.
لتصعد بكَ في قيامةٍ
غامضة.
خذ من هوائي جذوره.
من قلبي فرشاةَ التلوين.
لا أريد لركبتيكَ أن تنموَا على الماء.
ولا لفمكَ مغارة لشهوة الجحيم.
***
روز…
سآخذ منكِ ثوبكِ
ليحجب عن عيني مصابيحَ
بدأ الظلام يقرأ فيها صفاتي.
أنا العابر جسرك وحيداً…
وكل خطوة مني مركبٌ
ممزق.
أنا الناظرُ فيكِ منظركِ..
والآن
ريحٌ
تطمر
ناظوري
بكراسي
البرد
وألفاظ الغيب.
***
جاك…
الدمعُ
أطلالُ
العين.
تعال
نجلس تحتها وننسى.