تأملات فى بيسوا وخصوصا كتاب – اللاطمأنينة – السعيد عبدالغني

فى نصوص بيسوا دائما وجود لعنصر الغياب والغائب ، إنه دوما يشير إلى ” اللا ” بعدها ملأ أو كلمة مطلقة ذات دلالة واسعة ، يشير إلى ما يمكن أن يتكون بميتافيزقية معنائية ومجازية ، هناك فاعلية شديد الأثر للوحدة والابتعاد عن المعانى العلائقية والافكار والمشاعر كذلك مع كثافة تخييلية وتركيز حضوره فى الوعي أكثر من الواقعي فقد خق جمهورية من الشخوص بداخله وخلق الشخوص تلك رغبة فى الحياة المفقودة فيعدد الشخوص لعلهم يكملون ويجمعون له حياة ويخلقوها ورغبته بما أنه شاعري لا ترضيه حياته الواقعية ، لذلك يرغب فى أكثر من حياة ، فى استنزاف ما يرغب فيه ، فى التعميق الادراكى لكل شىء والوصول إلى الجوهر المعنائي خلف كل شىء .
إنه طوال الوقت فى ذاته يبحث عنها بشكل مفرط وبأنانية زمنية ضد أى فعل آخر ، إنها موضوعه الاساسي ، يرى بعمق كل شىء حوله ولا يدوره لقصة بل يأخذ خالصه ، يدقق ويحلل ليس بصرامة عقلية ولكن بمرونة شعرية فيكتب أطنان من المجازات الخفيفة المتطايرة .
كتابة الشذرة العميقة المكثفة الموجزة تلك بدون اطالة دليل على الاضطراب المعنائي والكثرة فى المعانى ، إنه يتلفظ بما يتخيله ويكتب ما يدور بين غائبيه وكونهم ، كتابة الشذرة تخلى عن الان دوما واستغراق فى التخطى إلى الفكرة الاخرى بدلا من افتعال تطويلها .
التأمل الدائم عند بيسوا يجعله يدرك المعنى الخفي وراء كل شىء ، يجعله كل لحظة يُكسر ذاته بطريقة مختلفة كل مرة ليرى فيها ما يراه فى المرة السابقة ، إنه مستلب مما لا يعرف وأحيانا منه وأحيانا من الحقيقة بشاعرية حقيقية تمسك كل ما فى الكون وما فى الباطن لتكتب به .
الوحدة فى عمقها عند الخالق تعبير عن رفض شكل اى رغبة فى البقاء والتكاثر والاجتماع والعلائقية الوجدانية كلها ، إنه وحيد ويستمتع بكونه الداخلى الممتد والحر في التخييل فيه كما يشاء بدون قانونية ملزمة أو بدون مرجعيات تقول له افعل ولا تفعل .
ادمانه على التعدد يجعله مدمن على الادراك المتخطي من مخيلته ، مدمن على التعبير بدون أن تكون سلطة عليه ، لا سلطة على المتعدد ولكن التعدد فى الرأس يزود الوحدة ويزود الوحدة مع المعانى المجردة لا الناس والتخييل فى وحدة بيسوا أنها غيرميتافيزقية دينية ، إن الأوهى بالنسبة له مجازات مركبة بمعنى آخر لا يصف الله ولا يصف اى شىء ماورائي ، إنه وجودي بشكل جديد بدون اغفال الالوهة كمتخطى .
أتخيله فى لوحة يبتلع الكون ومن يديه تنسدل التصاوير وحقيقية التصاوير صادقة ورهيبة وجمة لأنه لا يكتتبها لتجارية بل لأنها تحدث فيها ، طوال الوقت يتزايد عدد شخوصه ويتناقصوا .
الكئيب يقبل بكل أنواع التطرف وهو مجبر بسبب كآبته أن لا يكون منتميا لأي شىء ولا يهم مهما حاول ففى النهاية سيقتنع بكآبته وسيقتنع بإختلافه الرهيب ويوجد أحد الأشياء معه فى عزلته إما الإيروسية أو التشويه أو الله أو السخرية أو الغرابة الشديدة .. وبيسوا اختار التصاوير الخيالية الشفافة والعمق الدلالى لكل مجازاته.
الواقع بالنسبة له كيان عارض ، المخيلة هى الاساسي لأنه لا يتحقق إلا بها ولا يشعر بأنه وجد خيطا له إلا بها مهما كانت نافية له من كل فم حوله ،مستنكَرة ، مهانة .
الغريب فى بيسوا هى السيطرة الجمة على أفعاله بخيالتيته الفظيعة تلك ، إن الأمر يحتاج جهد كبير لكى لا يهرب جزء منها إلا افعاله وتٌكون شكل جنوني ممكن يعرضه لأي خطر .
يقول بيسوا ” لست بأحد أنا، لا أحد.” .
يتحدث هنا بيسوا عن شعوره بعدم الكونية ، بأنه ليس كائنا بتجريد المعنى ، يأتى ذلك من الاغتراب الشديد عن الذات من فرط العزلة الفلسفية الباطنية ، حتى انتفى الاحتمالان أن وجوده وأحديته ( ليست بالمعنى الإلهي ) ليست من الاخر الاخر الذى ليس شخصا له ، والاحتمال الثاني وهى كونيته منه نفسه ، الاولى غير متحققة بسبب العزلة والثانية غير متحققة بسبب اثار العزلة كأنه يقول ” لست بأحد أنا ولست بآخر ( خارجي ) لا أحد ( داخلي حتى ) ، والامر أن لا شىء ولا أحد يعيد له كونيته وأحديته وليس هو آخرا بالنسبة للاخر لانه ان كان آخرا سيكون أحدا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى