أنا إنسانُ كلِّ الألوان
كُلِّ الأوجاع
كُلِّ المعاناة
كُلِّ الشّقَاءِ
أنا إنسانٌ مِنْ كُلِّ الجهاتْ
غليظُ الشّفاهِ…مَفْتولُ العَضَلاَتْ
يَا طَالَمَا كَدحْتُ فِي فِلاَحَةِ الأرْضِ بِسَاعِدَيّ
بِمِعْوَلِي فَضَضْتُ بَكَارَة الحَقْل
وَنَفَذْتُ إلى أعمَاقِ الأرْضِ
لِأَنثُرَ بُذُورَ الإخاء في جَدَاولَ مِن أمَلْ
جُبْتُ تُخومَ الأرضَ مُعَانِدا كُلَّ الأحقاد
يا إلهي! كَمْ أنا مُنْهكٌ
سأبوحُ لكَ أيَّهُا الإنسَان
على قبري سأنقش اقتباسِيَ الأخير
مِنْ وَخْز الجُوعِ والظَّمَإ والألم والخوف
تَصَلَّبَتْ أصَابعي
صِدْقًا لَسْتُ بِكَاتِب
يكفيني فقط أن تعلموا أني نجوتُ
من قسوة الألمْ..من ذُلِّ الهزيمة…ومن مرارة الظلم
والنشوةِ السَّادية للْأعْدَاء
أولئك الذين يَضيرُهمْ وُجُودي وإرادتي
يكفينِي فقط أنْ تعْلمُوا
أنّيَ حَارَبْتُ الخَفِيَّ واللاَّمُدْرَك
رَغمَ تواطؤ الزَّمِنِ الهُلاَمِيّ
وأنّي شَهدْتُ ظِلّيَ يُوَارَى الثَّرَى
.
أنا إنسانُ كلِّ الألوان
كلِّ الأوجاع
كلِّ الصرخاتْ..كلِّ الآهَاتْ
أنَا بنُ الصَّبَا الهادئِ فِي رِيَاح الشَّرْق
والنّسيمِ العليلِ في رياحِ الغَرْب
أنا بنُ الحَرُورِ العَاصِفِ في رياح الشَّمَال
والسَّمُومِ النَّافِحِ في رياح الجنوب
وُلدْتُ تَحتَ زَخِّ المَطَر
تَحتَ لَهِيبِ الشَّمْسِ وصَرِيرِ الرّياح وصَقِيع البَرْد
وُلدْتُ في غَياهبِ الظُّلْمِ
حيْث يُشيّدُ الأبارتايْد قلاعا للطّاعُون
كأنَّ نُورَ القمرِ المُنْثَالَ عَلَى جَبْهَتي
أذْكَى في القَلْبِ توْقًا الى استعادة ما سلب الظلامُ
مِن بَريق وَجهيَ الشَّاحِبْ
أقسِمُ بالله
وبِاسْمِ كل القدِّيسين
أقسِمُ بِاسْمِ أبِي
أقسِمُ بِاسْمِ أُمِّي
أنْ أنتزعَ لنفسي مَوْطأَ قَدمِ فِي هَذا الوجُود
أقسِمُ أَنْ أبْقَى نَاسِكًا حَتَّى آخِرِ نَفَسْ
عن استباحة حُرْمَةِ إنسَان
أقسِمُ بالله
أنْ أبْقَى كَمَا أنَا فِي جَوْهرِي البَشريِّ
وَفِيًّا لِإخْوَتي فِي الأرْضِ
أقسِمُ أنْ أقُولَ: لاَ!
أنْ أقُولَ لا لكل ما يحطُّ مِنْ جَوهرِي البَشريِّ
إذْ أنَا الوُجُودُ المَنفيّ
والرُّعْبُ الألِيفُ
حَتى آخرِ فَصْلٍ في المأساة
.
أنا إنسانُ كلِّ الألوان
أنا بنُ الطَّاعَةِ
أنا بنُ الامتثال
أنا بنُ كُلّ الأعْرَاق
وُلِدْتُ تحت صَهَدِ الشّمس الحارقة
وُلِدْتُ تحت لهيب جحيمٍ
في لَمَعَانِ ألْفِ سَرَاب..
حيثُ الأرْضُ عطشى
واللظى لفحُ جحيم
والسّرابُ مَدُّ البَصَرْ
حيث لهيب الرَّمضاء يَفُتُّ الصَّخْرَ ويُذِيبُ الحَصَى..
يمتصّ العَرَقَ ويشرب الدّماءْ
فِي جنان مِنْ بِدْعِ الخَيَالْ
في جنان مِنْ نَسْجِ الأَمَلْ
أتُوقُ لاسْتكشافِ مَوْطنِ الإنْسَان
لأَرْمُقَ بفُضولٍ سَفْسَطةَ القلق
والانْحلاَلِ
والإعْيَاء
والهَلْوَسَة
ضَحِكتُ مُرَائياً فِي حُزْنٍ وخَيْبَةِ أمَلْ
سَمِعْتُ صَلِيلَ السَّلاَسِلِ وحَشْرجةَ الآلام الصادرةَ من أعماق أحزاني
.
أنا إنسانُ كُلِّ المُعَاناة
مُبْعَدٌ عِندَ مُفترَقِ طُرُق
مثقلٌ بالهُمُومِ والأحْزَان
فِي هذِهِ الأمكنةِ المُكتظَّةِ بِالبَشَرْ
أنَا إنسَانٌ مُتَوَرّطٌ..مجروحٌ..ومَغْدُور
يَبْهرُنِي اللاَّمَعْقُول… بِكَلِمَات مُتَلَعْثمَة
يُنَادِينِي الوَاقِع
لَسْتُ نَادِمًا علَى أيِّ شَيْء
عِشْتُ عُهْرَ حياتي مِثلَ الآخرين في “الغيتوهات”
مُدَوّرًا حَبَّاتِ سبُحَاتِى فِي التَّعفّنِ والعُبُودِيَّة
تَحمَّلْتُ السِّياطَ وكَدَحْتُ بِمَشقّةٍ دُونَ تَوقَّف
فِي الأَخِيرِ خَدَّرُونِي لِيُهِدّؤوا أعْصَابِي
وصَادَرُوا كلِمَاتِي
هَاُهمْ أؤلاَءِ مَنْ صَادَرُوا تَفْكِيرِي
هَاُهمْ أؤلاَءِ جَرّاحُوا ضميري
محتفلين مُسْبقًا بِمَوْتي عَلَى وَقْعِ نَاقُوسِ انْحِطاطِهِم
.
أنا إنسانُ كلِّ الألوان
كُلِّ المُعَانَاة…كُلِّ الجِرَاح
أنا إنسانُ كُلِّ الآفاق
البَحْرُ مَلاَذِي
أصْلُ المَاءِ المَالِحِ عَرَقِي
تحَدّبَاتٌ لاَ مُتَنَاهِيَةٌ لِلأمْوَاجِ في صَوْلاَتِها عَلَى البَرِّ
طَّحَالِبُ وَخَليطُ أعْشَابِ البَحْر فِي مَمْلَكةِ القنافذِ
تجّمعُ الأبرامِيس وأسماكِ القِرْش
تَصْفيقُ عُجُولِ البَحْر ذاتِ المناخِيرِ كالبَرَاكِينِ المُتَفَجّرة
وَهَا أنَا ذَا مِن جديد أخطبوطًا بأذرُعِ مُبَعْثرَة المِمَصَّات
أنَا عَيْنُ “السِّيكْلُوبْ” أَمَامَ عَظَمَة العَدَم
يبْتلِعُ الـمُـحِـيطُ الشَّمـْسَ ويَلْفِظُ الظَّلاَم
أنا المُتَطَفّل
وهَا هَوَ ذَا اللَّيْل
هَاهي ذِي الرَّاحَة
وَغَدًا يَبْدَأ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ جَدِيد
عبثٌ..عدَمٌ هِي الحيَاةُ
مِنْ حَوْلِي رَعْشَةُ رَذَاذٍ وَهَبّةُ نَسِيم
صُيَاحُ دِيكٍ وَصُفَّارَاتُ إِنْذَار
ابْتِسَامَاتٌ وَغثيَان
مَعْركةٌ مِنَ الصَّبَاحِ حَتَّى المَسَاء
مَعْركةُ الإنْسَانِيَة
مَعْركةُ يَوْمِ الحِسَاب
لكِنْ قَبْلَ يَوْمِ الحِسَاب
قَبْلَ هذه الاسْترَاحَةِ الأخِيرَة
لَدَيَّ مُتّسَعٌ مِنَ الوَقْتِ كَيْ أكُونَ
إنْسَانَ كُلِّ الألْوَان
إنْسَانَ كُلِّ الأعْرَاق
إنْسَانَ كُلِّ الظروف
عَبْرَ العَثَرَاتِ أرُيدُ تَلَمُّسَ يَدِ الرِّيَاح
كَيْ تُدَاعِبَ شَعْرِيَ المُجَعَّدَ
نَعَمْ أَقْسَمْتُ بالإخْلاَصِ لِأَرْضِي
آهِ! لَوْ بِاسْتطاعتِي تَقْطِيعُ الزَّمَنِ الرَّاكِد
فِي البِلاَدِ البَعِيدَةِ لِلْأحْلاَمِ المَجْهُولة
آهِ! لَوْ بِاسْتِطَاعَتِي التّنَازُلُ فِي أوْج العَاصِفَة
لَوْ بِاسْتِطَاعَتِي تَلَقّي الرَّكَلَاتِ بِصَمْتْ
لكنّي سَأَخْتَارُ تَمْزِيقَ المَرَاسِيمِ وانْتِهَاكَ الإِمْلاَءَات
سَأَخْتارُ أَنْ أَحْيَا حُرّا
.
أنَا إنْسَانُ كُلِّ الآلاَم
كُلِّ المَوَاكِب…كُلِّ الدّيَانَات
إنْسَانُ كُلِّ الاضْطهَادِ…إنْسَانُ كُلِّ الإكْرَاهَات
أريدُ إيقَافَ مستغلّي النَّاس
أريدُ شِفَــاءَ جِــرَاحَ النَّاس
أريدُ قَتْلَ قَتَلَةِ النَّاس
أريدُ إيقَافَ العَرْبَدَةِ وَمَنْعَ بَهجةِ مَصّاصِي الدّمَاء
أريدُ مَنْعَ مُتْعَةِ مُغْتصِبي الضّمِير
أريدُ الدِّفاعَ عَنْ إخْوَتِي المُسْتغَلّينَ
حَتّى آخِرِ رَمَق
لاَ!…للرّقَابَةِ المُتَنكّرَةِ فِي زِيِّ التَّحَرُّرِ
لاَ أريدُ أنْ أكونَ أضْحَوكة الحرّية
فِي الإلْغَاءِ المُوجِع
والاسْتِلاَبِ المُتَوَاطئ لِهُويتِي
غَدًا سَيكَونُ يوْمًا عَظيمًا
غَدًا ستكُفُّ الأجْسَادُ النَّائِمَةُ
والقلُوبُ المَجْروحَة عنِ الصّراخِ
والتّأوّه فِي البؤسِ
غَدًا سَينْبعِثُ الفرحُ مِنْ رَمَاد الرّعْب
غَدًا سَينْبعِثُ الفرحُ مِنْ رَمَادِ الكَرَاهية…مِنْ رَمَادِ احْتِقارِ الإنْسَان
.
أنَا إنْسَانُ كُلِّ الآلاَم
أخٌ لِكُلِّ البَشَر
صَديقٌ لِكُلِّ البَشَر
أنَا مُلْتَقَى كُلِّ الأفكَارِ المُثْلَى
مُنْذُ أوَّلِ الخَلْقِ وَحَتّى نِهَايَةِ المُعجِزَة
عِنْدَ مُلْتقَى المُفَارَقاتِ المُرَّةِ والمَلْعُونَة
عِنْدَ مُلْتَقَى النَّوَائِحِ المُنتَهَكة
تَحْتَ سُور العِفّة
أريدُ أنْ أسُدّ فُوهَة البُرْكَان بِراحَة يَدِي
لكيْ أوقِفَ الشرّ
أريدُ أنْ أفتحَ السُّجُونَ وأحِرّرَ المَحْكُومِينَ بِالْإِعدَام
لأنْهِيَ عَمَلَ السّيافِين
أريدُ أنْ أضْرِمَ النّارَ فِي السِّلاَح وأعلنَ مِيلاَدَ المُسَاوَاة
لكيْ يُزهرَ الفَرَح
وينْبثقَ الحُبُّ مِنْ جَدِيد
أريدُ أنْ أختِمَ بالشّمْع الأحْمَر أبْوابَ السّجون
أريدً أنْ أكسّر اللّيْل لِيولَدَ النَّهارُ قبْل أوَانِه
أريدُ أنْ أستأصلَ مِن الوُجود كلّ الشُّرُور
أريدُ أنْ أبْعَثَ ستيفْ بِيكُو حيًّا في سَوِيتُّو الحُرّة
وسطَ الرَّصَاص البَارِد للأبَارْتايْد المُحْتضَر
فِي أفياَء الحِكْمة الضّامنة لإفريقيا الأصَيلَة
فِي ظِلاَلِ شَجَرِ “الْكَايْلِيسَدْرَا”..فِي ظِلاَل الأيْكِ
وَفِي ظِلاَلِ شَجَرِ الدّومِ المُعمّرِ
غدًا..غدًا سويتو سَتُصْبحُ حُرّة .