…
استيقظتُ وما يزال واحدٌ منهم هناك, ما يزال يتكلّم, يلكم الهواء فجأةً
بيده كما لو أنّه
سيشقّه, القمامة تنتظر على حافّة الطريق, أنا نفسي عبدةٌ,
ما زلتُ, أجل, تأكّدتُ, عبدة
الضباب على الأسيجة, الحقول بينها. عبدة. في البعيد
القرية ما تزال نائمة, أستطيع أن أقول كلمة ” قرية”. الأشواك
تختفي الآن تحت آخر الأزهار المتفتّحة
يا ربّ, لماذا الكثير جدّاً من نباتاتكَ لها أشواك.
البارحة, على امتداد الطرقات, وأنا أنظر لأعلى بالكاد, مارّةً
بأناسٍ يلتقطون شيئاً ما قابلاً للأكل من حواف الخندق
الغرابة تُغلّفني. أعلمُ أنّني أنا أيضاً أموتُ لكن لا أقول ذلكَ
هنا. لماذا؟ لماذا يبدو حتّى استخدام إشارة الاستفهام
أفصح من إحساسنا بها. ذات مرّةٍ بكى ملاكٌ
ذات مرّةٍ كان لـ ” ذاتِ مرّةٍ” ذيلٌ طويلٌ, الوقتُ مضى للخلف وكذلك
للأمام, الظلال المتموّجة للأزهار على الجدار
شكّلت كلّ المغزى الذي أحتاجُ لأحيا وفقه. كانت هناك, أيضاً,
فصولٌ. أجل أعرف, ما تزال الفصول موجودةً, لكنّك تعلمُ أيضاً
أنّنا لسنا متأكِّدَين. الآخرون متأكّدون, يقدّمون المعلومات, الخبراء
يفعلون بها ما يشاؤون, والباقي كذبٌ.
أه, لكنّ اللصوص يُقدَّمون بطريقةٍ جميلة, ملوّحين, يصعدون ويهبطون
من طائراتهم. عكسَ أحلامي, هم يملكون كلّ الوقت
الذي في العالم. يلوّحون وهم يهبطون درجَ الصدارة أو المؤخرة
فلا أحد يطلق النار عليهم. القطّة التي وجدناها في السياج تحت المطر
تراقبني وأنا أفعل هذا. القطّة مصابةٌ بالإيدز. البيطري قال” لسوء الحظّ,
إنّه شائعٌ جدّاً الآن”. هي ذكيّة جدّاً كذلك وجميلةٌ. لم نطلق عليها
اسماً. يبدو أنّ العديد من الناس يٌقتلون من قبلنا
أكثر بكثيرٍ ممّا يخبروننا به. أحاول أن أتخيّل الحرب
أحدٌ ما في الحرب يأخذ قبّعته دائماً عن المشجب, مهما كانت الرحلة خارجها قصيرةً
يذهب خارجاً ” الآن”
بسرعةٍ, ليستكشف ماهي هذه الضجّة, لاحقاً شخصٌ ما آخر
يرى القبّعة. كم أصبحت القبّعة لا تُطاق.
رغم ذلك لا تتلاشى الأصوات, أنا الآن في كلّ صباحٍ أضع هذه الكلمات
مكانَ كلماتٍ أخرى, فوقها, كي أغطّيها
القطّة هذا الصباح, لسببٍ ما, كما قيل لنا أن نتوقّع, بدأت
تتصرّف بغرابة
تخرمش وتخرمش الأرضَ الصلبة كي تغطّي أثرَ
ما لم تقترفه. أحملها أحاول تهدئتها لكنّها تتملّص
وتعود إلى ما يبدو لعين جنسي البشريّ, كالخزي, كفعل
من يشعرون بالخزي.أشعرُ أنّه ما من مكانٍ نعود إليه. أراقبها وأظنُّ أنّها
بدأت تصاب بالعمى,ربّما, أو أنّ الهستريا أخذت تنتابها. أشعر أنّه ما من مكانٍ
نعود إليه. اقترضتُ نقوداً. اقترضتُ إيماناً. اقترضتُ
كلماتٍ, ستايلاً, أفكاراً, طاعةً. اقترضتُ الابتسامة
اقترضتُ الحقلَ الساكن في ضوء القمر والصقيع يلمع فيه. اقترضتُ
الهاتف, اتّصلتُ بالرقم المسجّل, بالرقم الآخر, كذلك
اقترضتُ اسمَ شخصٍ واحدٍ, ثمّ اسمَ آخرٍ, ومنحتُ كذلكَ اسماً
لشخصٍ حديث الولادة. حاولتُ أن أفهم الرسائلَ. حاولتُ أن أسترجعها
لا أعرفُ إلى أين. جرّبتُ البحثَ في كلّ مكانٍ هذا ما يمكن أن أخبرك به
بصدقٍ. لا برازَ هنا, لكنّ القطّة تحاول أن تخفيه
في كلّ مكانٍ. مخالبها تصدر صوتاً مرعباً على الأرض الحجريّة وهي تحاول.
لا لا لا يوجد شيءٌ هنا لم تفعلي أيّ شيءٍ. أقول. بل جنسٌ ما
آخرُ. حجرة التمييز الجنسيّ التي أنا فيها تُغلِق
بابها الصغير. هناك أناسٌ يحتاجون الذخيرة الآن فوراً وإلّا
سيفوت الأوان.
هناك أناسٌ
تُطبعُ أسماؤهم على ورقةٍ في هذه اللحظة. أحدهم جاثٍ
على يديه وركبتيه لا يستطيع إيجاد صوته كي يقول من فضلكَ, وهو
ما قد يتسبّبُ بقتله. هناك خانة ” بالخطأً ” تقريباً
لكلّ شيءٍ خاصّةً الموتَ. هناك أناسٌ يحتاجون رخصة سياقة أو
لن يبقوا في البلاد. هناك أناسٌ إن لم يدفعوا إيجار هذا الشهر
لن يبقوا في البلاد. هناك أناسٌ لو أخذوا شيئاً ما يحتاجه طفلهم, أو لا يحتاجه,
ولا يملكون ثمنه,
لن يبقوا في البلاد. بلاد: أرجوكِ, إنّه
ليس فجركِ بعدُ
هنا, قل لي
ما هي البلاد. لا أستطيع أن أفهم ماهي الحدود. ما يشرحونه
ليس واضحاً لي. لماذا علينا أن نقطّعها هكذا, لا
ليس واضحاً. من الأسيجة في الخارج ما يزال البعض مسموعاً
كلّ صباحٍ كهذا الصباح مغطّاة بالضباب, تتكلّم الأسيجة العريضة
غير القابلة للاختراق. أشغّل الأخبار في التلفاز فقط كي أكتم صوتها, كي أكتم
صوتَ مخالب القطة تخرمش الأرض التي نظّفتها مجدّداً. كي أريها أنّها نظيفة
” نظيفة” أقول وأنا أربّت عليها وأدلّها. فوقنا أو تحتنا
لا بدّ أن تكون الأمور على ما يرام
المشكلة في طبقتنا فقط؟ جرّبنا أن نغطّيها بالحجم, ما تزال فضاءً
غطّيناها بالتاريخ, ما تزال جريمةً ونسياناً. الموتى ما يزالون
مختلطين مع الأحياء. ربّما بالخطأ. لمن؟ خطوط المعركة
تتحدّد. كلّ فردٍ متمركزٌ في حفرته/ها أو يجب أن يكون. أينما سقطتَ
ابقَ. البُعد صديقكَ. اشتهِه. حتّى عن الله. أظنُّ,
إلهك قد يكون الإله الخطأ في هذه الظروف
اجعل نفسك نوعاً من الصمت لا تقل ما تفكّر به.
إذا قرّرتَ أنّك ستقول ما يرضيكَ فأنتَ تعرّض
أحبّاءكَ للخطر. أصغِ إلى المفصّلات, أصغِ بانتباه. إن كنتَ مهتمّاً بمعرفة
ما أفكّر به, أعتقد أنّهم يسرقوننا في وضح النهار وأنّنا نريدُ
أن نبقى عميان, وخرساً أيضاَ, حتّى أحبّاؤنا سيشهدون ضدّنا,
وبالمناسبة
إله البقعة العمياء المطلقة, دون أن يرمش
يفتح البوابات بوحشيّةٍ ليسمح بالدخول
منتظراً كلّ واحدٍ
من أبنائك
كي يخطو خارج الباقين. كلّ ما يتعلّق به واضحٌ, وقوفه هناك
هو الشيء الوحيد الذي لا يمكنك سلبه إيّاه, إضافةً إلى صمته. رغم أنّكَ
تجعله غير قادرٍ على الصراخ – ] ما هذا الذي فعلته
بصوته [ –
وتتملّكه كليّةً لو تقدر – لماذا – يا ربَّ
العين البشريّة, يا ربّ اللسانِ, اليدِ – يدِ البطء- وشيءٍ ما
يدُعى بالبطء – ] نسبةً إلى ماذا [- لماذا هو من علينا أن نحبّ؟ لأجل
طاعته الكاملة. المادّة تستحقّ أن تُحبّ , تقول فايل** . تقول إنّ
المادة سلبيّة كليّاً وتخضع بالتالي كليّاً لإرادة الله. أنا مادّة الله
يقول الصوت من السياج المخضرّ بارتفاع ثمانية أقدام. كنتُ.
الخيار الوحيد الممنوح للبشر, تقول فايل, هو أن يتوقوا للطاعة أو
ألّا يتوقوا. وحتّى لو لم يشعر شخصٌ منّا بالتوق للطاعة, فإنّه يطيع
بالرغم من ذلك, بشكلٍ غير مشروط
كما لو أنّه شيءٌ معرّضٌ للحاجة الميكانيكيّة. إن رغب بذلكَ
فما يزال تابعاً, لكنّ حاجةً جديدة تضاف
حاجةً تنتمي لأشياءَ ما فوقِ – طبيعيّة, تقارب السبعة.
عندما نشعر,
تقول, بأنّنا عصينا الله, هذا ببساطة معناه
أنّنا لمرّةٍ توقفنا عن التوق للطاعة. أنا أتوق للطاعة. ليس عندي
ما أوجّه توقي إليه. إنّها ليلةٌ مقمرةٌ جميلةٌ
البومة اليافعة التي غنّتْ مرّة قد تغنّي مرّةً أخرى.
*
ترجمة: رشا صادق (شاعرة سورية)