من علّمك مريم أسماء الحب كلها؟
في محرابك نامت الطيور…
اهتزّت أشجار النخيل..
أزهرت الفراشات بألف لون.
كان شاحبا
مثل أرض تنتظر المطر…
أحببته يا مريم…
من عمق الألم.
تموت الرغبة في حضن اللذة
ذاك طريق البذرة في رحم الليل…
هل هززت جذع الموت لأجل الحياة،
سخرت من نظرة الغريب لجسدك؟
حملت نبوءة كلماته سراجا منيراً،
أطفأته عواصف الصحراء؟
يا ابنة اللحظة…
يا زواج السماء بالأرض …
ما كان للرّب مهرب من عينيك.
سيحبّك ألف رجل…
يهجرك عشّاق كثر…
تسفح الشموع في مذبحك…
فخذيه برفق…
ذاك الغريب.
حليب نهديك يهديه الطريق…
انسجي له هودجا من جدائلك
لينام صليب الأيام فوق ساعده.
على جيدها علّقت الأيام أقدارنا…
نامت في انتظار أوديب
يصنع بموته الخلود.
عشتار يا نجمة الصباح و المساء
ينام الزهر على نهديك…
بكامل عطره.
خذيني إلى موتي المشتهى…
لا أرض تتّسع لحلمي أيّتها الربّة.
بكت العاشقة على أبواب المدينة…
قالت:
حين أرحل،
ستبحث عنّي في وجوه كل النساء…
عن لهفتي البكر…
ستفقد شهوتك التي ما كانت…
إلّا لي…
حين أرحل،
سيهجرك حتى ظلّك.
سيخبرك أنّه نذر لعينيك دموعه…
نجمة الصبح تذوي
لكنّها لا تموت.
يحتفل الفجر بميلاد الضوء…
من بين ضلوعه.
يسقط النور من عليائه،
ينشد وجهك مريم.
يا راعي الفجر،
خطّ بماء الشوق أغنيات الصباح.
ميت…
أموات…
أبناء الحياة.
كل ولادةٍ
جرح في جبين الموت.
سالت دماء النبيذ…
مرّت قوافل الأنبياء…
أعطني رغيفي أغمسه في دمي.
أرضنا الغنية بأساطيرها…
الفقيرة بأبنائها…
الحزينة بأغانيها…
نيرون
نارك لم تخمد بعد.
على جدران المدينة
حين رسمتْ وجهك…
تلك السمراء الفاتنة…
حلمت بألوان ملامحك غدا…
فاض تنور أمّك،
احترق وشم جبينها.
كان طيفك هنا
لم سحبته من صحرائنا…
جبالنا…
هضابنا…
وهادنا…
سهولنا…
مريم…
جفّت تمائم الجدّات فوق صدورهن…
توقّف الرضّع عن البكاء
حين جّف حليب أمّهاتهن…
أعلنت الأرض
لا عاصم من الموت…
إلا أنت مريم.
لا تسألوها عن عطرها كيف سال
فارتوت الأرض البكر…
إيذانا بفحولة السماء…
أسرارها لا يدركها إلا الراسخون في الحب.
لكل نهر حصاه تجري في وريده،
لا تلعنوا الحجارة في سكونها…
لا يبقى من ذاكرة الماء
إلا صهيل الأحجار.
من علّمك مريم أسماء الحب كلها؟
يا سيدة الرغبة الأزلية…
شدّي وثاق الصبر في ضلوعك…
لتسقط عنّا خطايانا.
ستحلمين بريحه تجتاح مسامك…
سترسمين بدموعك صلواته…
ثم تتبعين آثار ظلّه الصاعد نحو فنائه…
أرض حلمك ثابتة يا مريم.
اسقيه كأس الغواية…
لتنام قوافل الغجر في دمه…
راحل…
راحلون…
أنشد الرعاة لعينيك…
كنت توقدين نار الفتنة زلفى لعينيه.
مثل هالة قدسية من بخور…
تطوفين حول منامات العذارى…
من خصرك يبدأ المعراج،
ينتهي الطواف…
من ارتشف رضابك…
أتمّ طهره مريم.
طقوس الأوّلين عيناك…
مناسك الأخيرين عيناك…
لماذا تركت ريحنا تذهب شتاتا؟
كثرت مذاهبنا يا سيدة الروح…
يا لغربة الجسد الشقي بأرضه.
غفت غزالة في دمه…
كعبها المسفوك على حافة السكين،
شاهد على حروب الإخوة.
كنت وحدك
تحملين تاج الزيتون يا مريم…
وحدك بكيت الأرض
فاهتزّ عرش السماء.
وحدك غفرت له حبّه لنا…
جحودنا له…
شقائك بنا.
ضعي حزنك في مجرى النهر مريم
اعبري اليمّ حافية القدمين…
رتّلِي أسمائك الحسنى…
انذري قلبك للشفق…
ليشرق الحب في ليلنا.
ضعي حزنك على حافة البئر مريم
سيشربه عابرو السبيل…
يروي ظمأ الرُحّل…
يشفي جراح المهزومين…
ضعي حزنك في واد غير ذي زرع
يتوارثه الأنبياء وصايا…
ينظمه الشعراء قصائد…
يتخذه العشاق كتابا مقدّسا…
نامت عيون العسس…
في المدينة.
غفا القمر…
فوق سطوح البيوت الفقيرة.
ووجهك الجليل يا مريم…
أيقونة في جيد الحلم.