زاهر الغافري – المسألة الشعرية عند شاعر جوال

تجربة الشاعر العُماني زاهر الغافري (1956)، كانت موضوعاً لندوة في مسقط جاءت تحت عنوان “الحداثة الشعرية عند زاهر الغافري” أول أمس الإثنين.

الندوة التي نظمتها “الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء”، بالتعاون مع “كلية الآداب والعلوم الاجتماعية”، وشارك فيها كل من محمد الغزي بورقة “مدوّنة زاهر الغافري الشعرية وسؤال اللغة”، فيما كانت ورقة فاطمة الشيدي بعنوان “الشعر بوصفه حياة: الحداثة والنص الرقمي”، أما الشاعر عوض اللويهي فتأمل “شعرية الفضاء” عند الغافري، فيما قدم الباحث مبارك الجابري ورقة بعنوان “اللهجة الاجتماعية واشتغال بنى الخطاب”.

الشاعر، نفسه، قدّم خلال الندوة ما يشبه شهادة شعرية صغيرة بعنوان “في المسألة الشعرية”، يرى فيها أن الشعر بالنسبة له “خلاصة لمفهوم الكينونة ضد القبح والرعب تجاه حياة الإنسان في هذه الدنيا القصيرة”، مختصراً في هذه الشهادة مغامرته نحو الشعر التي قادته إلى الترحال والمعرفة و”بوثبة نمر” من قرى عُمان إلى بغداد على حد تعبيره.

يقول صاحب “الصمت يأتي للاعتراف”: “كنت أريد أن أدخل إلى العالم بقوة المعرفة والجمال ولأنني رجل بسيط عشت حياتي بحرية وليس الشعر بالفهم الهايدغري سوى إقامة في الأرض” مضيفاً، وهو يلتفت صوب البدايات: “بدأت تجربتي من الكتاتيب أو مدارس القرآن مبكراً في عُمان في قريتي سرور ونفعا. وتتلمذتُ على معارف الشعر القديم، شعر ما قبل الاسلام الذي يطلق عليه الشعر الجاهلي -وهذا في اعتقادي خطأ معرفي- وكتبت الشعر الكلاسيكي”.

“يقول الغافري: كنت أريد أن أدخل إلى العالم بقوة المعرفة والجمال”
أما ما سماها بالنقلة التي شبّهها بـ “وثبة النمر” فتلك التي حدثت في العراق: “كانت -أي النقلة- في بغداد الستينيات حينها تعرفت على بدر شاكر السياب ومحمود البريكان شعرياً، وعشت النقاشات المهمة على الصعيد الثقافي حتى جيل الستينيات والسبعينيات وكتبت قصيدة التفعيلة ثم مزقت بعض ما كتبت كما لو كنت ماموثاً يخرج من حياته ليكتب في ما بعد قصيدة النثر”.

وعن الشغف الذي قاده للمعرفة يصف صاحب “أزهار في بئر” حياته في شهادته: “في حياة الترحال كان الشغف يقودني للمعرفة شعراً وفلسفة ومسرحاً وتشكيلاً وسينما وموسيقى ثم الرقص آه من هذه الدوخة التي ذكرها نيتشه وقدمتها إيزادورا دونكان ثم مارثا غرام ثم الألمانية بينا باوش. هكذا خرجت من القرية الصغيرة في عُمان لأعانق العالم وأتعرّف على الكتاب والشعراء والفنانين”.

وضمن الأوراق الأخرى، اعتبر الغزي بأن “مدونة زاهر الغافري من المدونات الشعرية الحديثة التي تشدّ القارئ إليها قبل أن تشدّه إلى ما هو خارج عنها”. تطرح ورقة الغزي أسئلة من قبيل: ما هي خصائص اللغة في شعر الغافري؟ وما هو مفهومه لفعل الكتابة؟ وأيّة وظيفة ينهض بها الشاعر في قصائده الواصفة؟ ثم يذهب إلى أن “قصائد الغافري على اختلاف مراحلها وتقاذف المسافات بينها، تهجس بسؤال واحد هو سؤال الكتابة. هذا السؤال قد تجلّى في أشكال عديدة وأساليب كثيرة لكنه بقي مع ذلك واحداً في تعدد أشكاله وتكاثر أساليبه. فقصائد زاهر ليست إلا إعلاناً عن تصوّر مخصوص لفعل الكتابة، لوظيفتها الأنطولوجية والكيانية. الكتابة من حيث هي نشدان للمعنى وبحث ممضّ من أجل الظفر به”.

أما فاطمة الشيدي، فترى بأن الشاعر “كتب القصيدة عبر وعي شعري جديد ومتجدّد، وعي حداثي وغير نمطي، فكثيراً ما خالف السائد، وتمرّد عليه بقصد وموضوعية تحتفي بالذات وتؤمن بالمغايرة والاختلاف كأساس شعري جاد وحاد، ولذا لم يقف عند لغة ما، ولا عند مدرسة، ولا عند أب شعري بل كان ينتخب لنفسه أبداً روح شاعر جوال عبر الزمان والمكان”.

وتستطرد موضّحة بأن “قصيدته متمردة على ذاتها كلما حلا لها التمرّد، فلا نقطة ثابته تقف عندها، ولا زمن تحتكم إليه، منوّعة في أساليبها اللغوية والأسلوبية، ومستمدة قدرتها من الحياة كحكاية” وتحيل هذا التمرّد إلى “السفر والوعي والقراءة في تشكيل المعمار الفني المضاميني والشكلي الحداثي لدى الشاعر”.

وترى في المُجمل “أن قصيدة النثر التي بدأ بها زاهر طريقه الشعري وانتهى إليها، متخذاً منها معراجاً نحو الشعرية الجديدة بمتاهاتها الفكرية واشتغالاتها المتجددة أبداً بفعل الزمن؛ اتسمت بحداثة راسخة، محلقة في أفق الجديد عبر الانفتاح على الشعر الكوني، ومنتمية لجذور القديم بأفقه اللغوي، وبعمقه واتساعه وهذه هي أبرز سمات الحداثة الحقيقية”.

عوض اللويهي، من جهته، اعتبر أن “الفضاء الشعري مكوّن رئيس داخل نصوص زاهر الغافري، فلا يكاد يخلو نص شعري إلا ونجد أن الفضاء من أبرز المكونات البنائية”، مشيراً إلى أنه “في ذات الوقت نجد أن الفضاء لا يشتغل في معزل عن بقية السياقات، الفضاء كبنية لغوية متخيّلة وليست بنية جغرافية لها مرجعية واقعية، يلعب دوراً رئيساً في ربط المنظومة المكانية التي تضيء بقية مكونات القصيدة وتتشكل حولها العناصر اللامكانية للنص الأدبي بحسب عبارة يوري لوتمان”.

ومن خلال اختياره لمجموعة الشاعر الأخيرة “حياة واحدة.. سلالم كثيرة” (2017)، تناول مبارك الجابري “التوازن بين المقاربات الشكلانية والمقاربات المضمونية في مقاربات الخطابات الأدبية”، حيث درس جملة المدخلات التي شكّلت وضعه الاجتماعيّ- اللغويّ، سواء في جانبه التراكمي، أم في جانبه النوعي الذي أسهمت مدخلات ثقافية متنوعة في تشكيله.

يذكر أن زاهر الغافري قد أقام في عدد من البلدان العربية والأجنبية منها العراق، والمغرب، وفرنسا، وأميركا، وأقام سنوات طويلة في السويد، وهو يقيم حالياً في عُمان، وقد ترجمت بعض أعماله إلى لغات عديدة منها الإسبانية والإنكليزية والألمانية والسويدية والفارسية والهندية. صدر له: “أظلاف بيضاء” (1983)، و”الصمت يأتي للاعتراف” (1991)، و”عزلة تفيض عن الليل” (1993)، و”أزهار في بئر” (2000)، و”ظلال بلون المياه” (2006)، و”كلما ظهر ملاك في القلعة” (2008)، و”المجموعات الخمس” (2013)، و”حياة واحدة، سلالم كثيرة” (2017) وقريباً ستصدر له مجموعة شعرية تحت عنوان “في كل أرض بئر تحلم بالحديقة”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى