“إذ تنام الراقصة / المغنية على الأرض (وهي نصف أو ربع عارية ثم تحرك ما يمكن تحريكه في جسدها بصورة غير موضوعية أو محايدة) لأسباب لا تغيب عن بال أي مشاهد. هذا الرقص أكثر وقعًا وتأثيرًا، وهو يدهشنا تمامًا، مما يجعلنا نستسلم لإغواء الصورة، ونرفع الرايات البيضاء والخضراء والحمراء وكل الألوان الأخرى، إذ كيف يمكن للمشاهد أن يتفكر أمام هذه الصور الملونة بالألوان الطبيعية وغير الطبيعية لهذه الحسناء المتحركة الأفقية”..
من كتاب: الفيديو كليب والجسد والعولمة – عبد الوهاب المسيري
الصورة المعتادة عن “الحنين”. أنه مؤلم. حزين. غامق.. على أن حنيني لها. تغلفه السعادة. وتملأه الألوان.
الحنين لها منطقي. ما الذي يمنع الإنسان من حب المتعة. يقولون أن الله لا يحاسبنا على حب الخطيئة بعد التوبة عنها. من يكره الشهوة؟، من يرفض الجمال؟، تبقى الشهوة شهوة، والجمال جمال، والرغبة سحر، والرقص جموح، والجسد جسد.. عنده تبدأ الحكاية، وعنده تنتهي.
لـ”روبي” في قلبي حنين. وفي بصري شوق، وفي عقلي انتظار. إليها. الفتاة العادية غير المعتادة. أحن. وأصوغ أسبابي. علها ترضى..
1- محلية الصنع
المرة الأخيرة التي أنتجت فيها مصر “مزة” بالمعنى الحرفي للكلمة – يمكن بشكل سريع وضع تعريف لكلمة مزة عند كاتب هذه السطور بالقول أنها الأنثى التي تظهر على الشاشة وتلعب عدة أدوار. منها الغناء والرقص والتمثيل. مع بعض الملابس الضيقة والألوان المزركشة. وتكون عادة ذات عيون مميزة، وقوام غير منتشر. وشفايف يصعب الحصول على واحدة مماثلة.
المرة الأخيرة، كانت في الثمانينات، واسمها “لوسي” وهي آخر منتج مصري معروف في هذا المجال. وبالطبع فإن مقارنة سريعة بين “روبي” المنتج المززي الحديث، و”لوسي” سيظهر الفارق، وسيجعل للحنين أسباباً منطقية.
على أن مشهد سينمائي حديث تظهر فيه المقارنة بشكل أوضح وأعمق. خاصة وأن صانعه أحد محترفي فن صناعة المقارنات.. “وحيد حامد”.
في فيلم “الوعد” (2009)، تعمل “روبي” في مركز تجميل صغير صباحاً. و”أعمال حرة” بالليل، تحضر “لوسي” سيدة المجتمع لتخبرها أن الرجل الكبير يطلبها في مهمة جديدة. فتسألها “روبي” : “عجوز برضة؟”، فترد “لوسي” في استنكار : “ومالهم يا بت العواجيز.. ولا أنتي عايزة اللي يقسمك نصين؟”..
لنتحدث عن تكوين المشهد قبل أن نحاول تحليل ما قيل داخله. “لوسي” تجلس على كرسي مرتفع. و”روبي” على كرسي أقل درجة. أو على الأرض ربما. وتمسك بأقدام “لوسي” لإجراء عملية تجميلية ما بها. ويدور الكلام.
رداً على سؤال “لوسي” ترد “روبي” في ثقة وصراحة “بصراحة آه.. نفسي في حاجة كدة”.. تضيف “لوسي” : “يا بت العواجيز دول هما اللي ماسكين البلد من وسطها”.. ثم تمنحها شهادة حق في وجه جسد فائر.. “إنتي فرسة كسبانة.. لا محتاجة حقن ولا ماسك.. كل اللي محتاجاه.. دُش”.
في كل معاجم اللغة، عامية وفصحى، لن نجد كلمة أفضل من “فرسة” لنطلقها على “روبي” رمز الانطلاق والتمرد والثورة، وحين تنطقها “لوسي” فهذا يعني أن ثمة راية يتم تسليمها، من “مزة” العصر الذي مضى، لـ”مزة” هذا الزمان. تلك التي تراهن على الشباب. ولا يشغلها عجائز يمسكون البلد من وسطها.. لا يهمها وسط البلد.. المهم وسطها هي شخصياً.
لاحظ أخيراً الموسيقى المتشابهة بين “روبي” و”لوسي”. خاصة وأن الأسمين “أسامي دلع”، فـ”روبي” هي في الحقيقية “رانيا حسين محمد توفيق” مواليد 1981بالقاهرة، خريجة كلية الحقوق (بني سويف) في 2004. شاهدها الجمهور للمرة الأولى بأدوار صغيرة هنا وهناك. ثم بدأت الإحتراف على يد “شريف صبري” ومعه بدأت رحلة طويلة من الكليبات والأغاني.
إذن، “روبي” صناعة محلية. مصرية مائة بالمائة. لا أب لبناني، ولا أم إيطالية. بل أن أمها كانت مدرسة ألعاب بمدرسة “فتحية بهيج الإعدادية بعابدين”. ويبدو أن صاحب المعلومة رأى أنها من الأهمية بحيث يضعها في صفحتها على “الويكيبديا”. ربما لصلة ما بين “روبي” و”بهيج”.
لأجل الصناعة الوطنية الحرة التي تحاول أن تصمد.. لأجل مصر.. أحن إلى روبي.
2 – سمراء
روبي سمراء. فقط لا غير.
الذين يقدرون الجمال سيعلمون معنى أن هناك أيقونة سمراء ترقص وتغني وتمثل. خاصة وأن الأيقونات المنافسة تبدأ عند “هيفاء” و”إليسا”. وتنتهي عند “مروى” و”بوسي سمير”. كلهن بيضاوات. ملونين. ببروز متفرقة هنا وهناك، وقدر من النفخ والهواء وضبط الزوايا.
يمكن أن تتخيل “روبي” صغيرة تبحث عن فتى يحبها في دراستها الإعدادية، ويمكن أن تشعر بدموع غيرتها في الطفولة من فتاة جميلة تجذب فتيان شوارع “المنيرة” حيث نشأت وترعرعت.
“روبي” لا تصدق جمالها. تعامله بشك، وتعبر عنه بشك أيضاً. والمدهش أن هذا النوع من التعبير يجذب عدد لا نهائي من المعجبين. وتوجد تجربة شبيهة، تحمل اسم “شيرين عبد الوهاب” التي تنتمي لنفس اللون مع اختلاف في الدرجة، ومع قيود في التعبير عن الجسد. “روبي” تعبر عن نفسها بطريقة مصرية خالصة. لكن “شيرين” تصر على استخدام الأدوات ذاتها التي فرغت من استخدامها “مزة” ملونة كـ”إليسا” أو “هيفا”.
يمكن بسهولة الحصول على أخبار “شيرين” عن زيارتها المتكررة لمصفف شعر شهير في لبنان أو مركز تجميل معروف في وسط بيروت، لكن لا أحد يعلم أين تحافظ “روبي” على مظهرها، وأين تنال حظها من العناية ببشرتها. لها طريقتها الخاصة، غير اللبنانية على الأرجح.
أتخيل “روبي” تغني في خلوتها، “صحيح أنا أسمر وكل البيض يحبوني..”. ويمكن تخيل هذا بسهولة بعد أن تسمع وتشاهد بعض أغنيات لها تعزز صورة السمراء المتمكنة من التعبير عن نفسها. شاهد مثلاً “أنا عمري ما استنيت حد”، أو “غاوي”، أو رائعتها الأولى “كل ما أقوله آه”.
لأجل “محمد منير”، وتعاطفاً مع قضية أبناء النوبة، أحن إلى “روبي” السمراء.
3 – تغني وحدها
هل شاهدتها بصحبة أحدهم من قبل؟.
هل أهانتك روبي كمشاهد، ورقصت لموديل أجنبي، هل فكرت في استغلال نجومية “مهند” ونامت في أحضانه خلال أحد الكليبات. هل غنت “روبي” لأحد سواك؟، هل قارنتك بأحد؟، هل سمحت لأحدهم أن يلمس جسدها أمامك؟.. لماذا إذن لا تحن إليها مثلي.
“روبي” تحترمني، وتحترمك، وتحترم نفسها. تعرف أنها “أيقونة”، فريدة، وتدرك أن ما يؤكد فرادتها، أن تبقى منفردة. تغني وحدها، ترقص وحدها، وحولها، يمكن أن يظهر بعض المارة، أو الأشخاص العابرين.
لم يحدث أن استخدمت “روبي” أي شخص من أي نوع ليظهر بجوارها في أي كليب، طوال رحلتها تحاول أن تؤكد أنها تغني لنفسها، وأنها تسمح لك شخصياً بالفرجة عليها، مستغلة كل أحلامك القديمة في التلصص على إحداهن تعبر عن جسدها بحرية وتراقبها أنت دون أن تشعر.
تعرف أن محاولة تمثيل قصة أمامك ستبدو سخيفة وغير حقيقية. وبالتالي، فإن ما يمكن ملاحظته أيضاً على منتجاتها الغنائية، غياب أي نوع من أنواع الدراما. لا توجد قصة، ولا مشاهد تمثيلية. لا يوجد أكثر من “روبي”، دون أية إضافات قد تفسد الصورة، وتقلل من قيمتها.
بالطبع فإن هذا التحدي ترفض أن تؤديه واحدة من الملونات اللبنانيات مع كامل احترامنا لهن. شاهد “إليسا” مثلا في “أجمل إحساس” مع شخص لم يترك مكان في رقبتها دون أن يلمسه. و”هيفاء” في “ابن الحلال” تسير في شارع طويل ممسكة بيد طفل صغير ساحبة إياه إلى المجهول.
لكن “روبي” تكتفي بالرقص تحت سفح الهرم مع بعض الحكم التي يكتبها “شريف صبري” على الشاشة في “مشيت ورا إحساسي”. أو الإلتواء داخل حوض بخار بصحبة ثعبان وتدندن “ابقى قابلني”.
هذه الوحدة، يمكن أن تكون في ذاتها رسالة. مثلاً في كليبها الأخير “يا الرموش”، تتوقع أن تجد فتاة ما بجوار “روبي”، فالكلمات كلها تتحدث عن بنت جميلة برموش قوية وخدود وردية. بالإضافة إلى أنه الكليب الأول لـ”روبي” الذي لا يحمل توقيع “شريف صبري” بل “أحمد المهدي” هذه المرة. لكن غياب الفتاة، يجعل عقلك يستجيب لفكرة أن “روبي” تصف نفسها، مستخدمة صيغة مختلفة في التعبير. وهو – إن سمحت لي – أسلوب في التعبير ذكي لأبعد الحدود، بل أنه يذكرنا برائعة وصف الذات “عبد الهادي” للمطرب الأسمر “شاندو”.
لأن “روبي” ليست “شاندو”.. أحن إلى روبي.
4- صامتة
لأن “روبي” تعرف فضيلة الصمت وتلزمه. تدرك أن الثرثرة مفيدة داخل الأغاني فقط. وعليه، فلا تتوقع أن تجدها في برامج المقالب والاعترافات الساخنة، أو ضيفة حلقة آخر الأسبوع التي لم يجد لها المعد ضيف مناسب فأحضرها في آخر لحظة.
لا يعرف أحد المبلغ الذي يمكن أن تتقاضاه “روبي” مقابل الظهور في حلقة من برنامج معروف، والسبب أنها لا تظهر أبداً. لا تحب الصحافة، على الرغم من أن الصحافة تحبها. وهذا درس تعلمته الجميلة من مخرجها “شريف”، وتعلمه شريف من مكتشفه الأول “عمرو دياب” الذي قرر منذ البداية أن يخاصم البرامج. لولا أنه جاء في النهاية وعوض صبره ببرنامج طويل يحكي قصة حياته. من بدايته لنهايتها!.
صمت “روبي”، يجعل الجمهور يفكر في احتمالين، الأول أنها مشغولة للغاية بالفن والإبداع وتسجيل أغنيات جديدة والتحضير لألبوم جبار. وهو أمر جيد بالتأكيد. أو أنها تفعل شيء ما لا يستحق أن تتحدث عنه. شيء يستحب أن يتم في صمت، وأيا ما كانت درجة خصوبة خيال الجمهور، فإنه سيتخيل في كل الأحوال أشياء مثيرة، وهو أمر جيد أيضاً ويحسب لصالح النجمة الصامتة.
لأجل الخيال المريض.. أحن إلى روبي.
5 – تحاول أن تصبح فنانة
رغم أنها فعلاً “فنانة شاملة”. بمعنى أنها تؤدي بالفعل عدد غير قليل من الفنون، تغني، تمثل، ترقص، (وتؤلف حالياً فيلم عن قصة حياتها) إلا أنها لا تزال تحاول طوال الوقت أن تصبح فنانة.
فكر مثلاً، ما الذي يجبرها على القيام ببطولة ثانية أو ثالثة في فيلم غريب الأطوار مثل “الوعد”؟، لا أعتبره فيلماً سيئاً على الإطلاق، لكنه بحسابات النجوم قد لا يكون الأفضل الذي يمكن أن تطل منه فنانة بحجم “روبي” وإمكانيتها الجسدية.
ما الذي يمكن أن يضيفه “وحيد حامد” وثلاثي “ياسين” (محمود ومحمد وآسر) إلى “روبي” إلا الفن؟. لا توجد أغاني راقصة، ولا مشاهد ساخنة بالمعنى الشعبي للكلمة، ولا حوار يمكن اعتباره مثيراً من وجهة نظر رواد سينمات وسط البلد.
بنفس المنطق الذي دفع بـ”روبي” إلى “الوعد”، يمكن أن تبرر اشتراكها بالغناء في نهاية فيلم لن يتكرر (!!) في تاريخ السينما “ليلة البيبي دول”. ورغم أن عدد من الجمهور دخل الفيلم وهو يتوقع أن تكون “روبي” هي من سيرتدي البيبي دول، إلا أنه وجدها في النهاية تغني من ألحان “ياسر عبد الرحمن”، وتستعرض بعض الطبقات في صوتها وترتدي ما لا يلفت النظر، وما لا توجد علاقة بينه وبين البيبي دول.
لا ننسى اشتراكها مع “يوسف شاهين” في “سكوت هنصوت”. ولا يفوتنا الإشارة إلى أن الفيلم الذي حمل في أفيشه صورة كبيرة لـ”لطيفة”، حمل في نسخة الفيديو منه صورة أكبر لـ”روبي” التي لم يكن الجمهور قد شاهد كليباتها حين عرض الفيلم للمرة الأولى، لكن بعد أن عرفها الجمهور، صار من الممكن مشاهدة أحد أغرب أفلام “شاهين” لأن صورة “روبي” تتصدر غلاف شريط الفيديو.
ثم مشاركتها في “فيلم ثقافي”، في دور يهمل كل إمكانيتها الجسدية. زميلة أخو البطل، التي تشاركه من مصروفها في شراء كومبيوتر للعمل عليه. أحد الأصدقاء تخيل أن أخو البطل سيكون في الجزء الثاني من الفيلم اسمه “شريف صبري” وأنه سيستغل الكومبيوتر ليصنع من زميلته فنانة مصر الشاملة ومزتها الأولى.. “روبي”.
إنها مجتهدة. يجب أن نعترف. ومنتشرة في مستويات عدة من الفنون. أفلام معقدة لـ”شاهين”، ومغامرات إنتاجية ناجحة للعدل جروب، ثم تجربة متهورة من “شريف صبري” في أحد الأفلام الأنجلو مصرية.. “سبع ورقات كوتشينة”، وهو فيلم صنعه مخرجه وهو يتخيل إمكانية صناعة فيلم له سبع نهايات مختلفة، تعرض كل نهاية في دار عرض، فكانت النهاية الوحيدة لمشروعه هو قدر من “سب الدين” حصل عليه من شباب وسط البلد الذين توقعوا مشاهدة أجزاء أخرى من جسد “روبي”.
على مستوى الغناء، سيذكر التاريخ اسم “روبي”، فقط يمكن القول أن مشروعها الغنائي له ملامح، وهذا يكفي جداً في المرحلة الحالية. بالإضافة إلى ذلك، فإنها – وبشكل مستمر – تحاول أن تكتشف في صوتها مساحات جديدة. وبالتوازي تحاول أن تكتشف في الكلمات معان جديدة. كل هذا يمكن أن نتركه لمحبي الموسيقى، لكن تبقى حقيقة أن معظم أغنيات “روبي” يمكن أن تسمع باقية. وهذا مهم.
لأجل شرف المحاولة.. أحن إلى “روبي”
6- يمكن أن تصبح طائشة
ستحلق “روبي” شعرها كله يوماً. وستدمن الكحول، وسترافق صحفي مغمور وسيراها البعض تسير فجراً في شوارع شرم الشيخ بملابس نصف عارية.
هذا ما يمكن أن تتوقعه لـ”روبي”، إن كنت مثلي تؤمن أنها تملك الإمكانيات اللازمة لتصبح فنانة طائشة. وهو أمر لم يحدث بعد في التاريخ الفني المعاصر.
لا نملك في مصر فنانة مثل “بريتني سبيرز” أو “باريس هيلتون”. لا نعرف مطربة يصعب السيطرة عليها، أو تقود بسرعة جنونية، أو ترافق عشرات الرجال في عام واحد.
كلهن ملتزمات، يتحدثن عن الفضيلة، ينكرن الإشاعات، ويخترن الزواج والإستقرار وتربية الأولاد حين يوجه إليهن سؤال يتعلق بالمستقبل.
لكن “روبي” لن تخذل محبي الطيش والجموح، وستظل كما عودتنا، مدهشة تملك القدرة على الجموح، وستصرح يوماً بما تؤمن به حقاً، تترك الصمت، وتبدأ في توزيع اللعنات بألفاظ تتلاءم مع فتاة تربت في “المنيرة” ودرست الحقوق بحيث تعرف الفارق بين السب والقذف، وبين الوصف والتعبير.
أتوقع من “روبي” بعد سنوات مستوى ناضج من الفضائح وأخبار فقدان السيطرة. وسيتمكن جمهورها من معرفة أسباب اختفاؤها هذه الأيام، سيعرف الجميع الحكايات، وستكون “روبي” هي المصدر، فالفنانة التي تغني “أنت عارف ليه”. تعرف جيداً ما يمكن أن يحققه الطيش لها بين الجمهور المتعطش لمستوى آخر من الفضائح.
لأجل روبي.. أحن إلى روبي.