ناجح المعموري – سيمون دي بوفوار عارية أمام المرآة

 

تواجهنا سيمون دو بوفوار قبل البدء بقراءة كتاب”هازل رولي”سيمون دوبوفوار وجان بول سارتر وجهاً لوجه”، الحياة والحب، بصورتها وهي تقف عارية تماماً كاشفة عن ظهرها وتفاصيل جسدها الطويل والرشيق وهي تصفف شعرها أما المرآة.

filemanager 1 ناجح المعموري - سيمون دي بوفوار عارية أمام المرآة
لم تكشف غير القليل من وجهها : ليست صورة فقط، إلتقطها صديقها ينسلون الغوين وعندما رأتها قالت له”أنت قليل الاحتشام”الصورة هزت محفزة للبدء بقراءة هذه السيرة الثنائية التي نعرف القليل عنهما.
بوفوار مغامرة، اقترنت مع الفيلسوف سارتر بعد استكمالهما الدراسة وانجذبت إليه بعد ما كرهته كثيراً وارتبطت به طوال حياتهما ولم يتزوجا. واتفقا أن لا يتكتم احدهما على علاقاته مع الرجال والنساء. والغوين الذي إلتقط لها صورها العارية أحد عشاقها. عاش كل منهما حياته مع كم هائل من العلاقات بعضها يستغرق زمناً طويلاً، والآخر قصير، لكن بوفوار هي الاكثر تحولاً بين عشاقها، وسجلت ذلك بمجلدات مذكراتها.
قالت (هازلي رولي) بوفوار منزعجة من قذارة غرفة سارتر. كانت أعقاب السجائر منتشرة على الأرض وكان الهواء مثقلاً برائحة الجسم البائتة ودخان التبغ. كانت الكتب والأوراق مبعثرة في كل مكان، ورسوم هجائية ملصقة على الجدران. جلبوا كرسياً من أجل بوفوار. وجلس الآخرون، واحد على كرسي سارتر والثاني على مقعد والثالث على السرير الضيق ص41//
بذلت بوفوار جهداً مهماً، مستفيدة من آراء وملاحظات سارتر حول مفهوم الحرية التي اختاراها كقناعة تامة وكانت تجربة خاصة بهما طوال تاريخ طويل جداً وتعامل مع الحرية باعتبارها شجاعة أخلاقية. وعليه الدفاع عنها، حتى يحوز على كينونته، وإذا فك العلاقة مع الحرية، فإنه سيتحول الى شيء عادي جداً، لا قيمة له في العالم والحياة.
وأشارت بوفوار الى الرجل، بأنه يتمتع بامتياز هو ميله الطبيعي لأن يكون انساناً مستقلاً لايتعارض مع مصيره كذكر… أن نجاحاته الاجتماعية والروحية تمنحانه هيبة رجولية، إنه ليس منقسماً على ذاته. في حين يفرض على المرأة لكي تحقق أنوثتها أن تجعل من نفسها شيئاً وفريسة، أي إنه ينبغي عليها إنكار حقوقها كفرد يتمتع باستقلاليته. هذا ما توصلت إليه بوفوار بعد تفرغها فترة طويلة، تقضي أغلب أوقاتها في المكتبة الوطنية، وتعرفت على ما مدون بمصادر علم الاجتماع والإناسة، وعلم النفس، حتى استطاعت انجاز كتابها المهم”الجنس الأخر”والذي أثار موجة عارمة من الرفض والمنع وهاجمه ألبير كامو وقال بأنه كتاب سخيف وحضرته الكنيسة. لكنه كان أحد الكتب المهمة في العالم وما زال حتى الآن مرجعاً حول العلاقة بين الأنا والآخر، ثنائية الرجل والمرأة. وهي التي أكدت على أن الآخريّة متجذرة في التفكير الإنساني، ولا وجود لفئة قادرة على العيش إذا لم تنظر لفئة أخرى وبمرتبة أقل منها. واعتقد بأن هذه المقولة خلاصة توصل إليها ادوارد سعيد لاحقاً من خلال دراسته للاستشراق وعرفها غيره من باحثي التاريخ فالغرب يجب أن يجد شرقه. وتعامل معه بالصورة التي تخيلها وظلت صورة الشرق نمطية حتى هذه اللحظة.
توصلت بوفوار من خلال”الجنس الآخر”الى إشكالية المرأة في المجتمع ليست حديثة، بل قديمة جداً، ومنذ زمن الحضارات الشرقية القديمة، وديانة الأم الكبرى. حيث ستظل حرية المرأة ملاحقة ومطاردة بقوانين البطرياركية. وليس سهلاً على المرأة نيل حريتها التي تريد وتحلم أن تعيشها (لأن المجتمع لم يكن جاهزاً بعد لتقبل حرية المرأة) كما قالت بوفوار.
كانت سفرتها الى شيكاغو في أيلول 1950 مثل حلم للقاء عشيقها ألغوين وإتفقا على ذلك، أمضيا شهراً في كوخ بجانب بحيرة ميتشغان، وحين آن موعد رحيلها قالت له  :

إنه من الجيد أن نحتفظ بصداقتنا

فرد ألغوين قائلاً :

إنها ليست صداقة، لم أستطع أن أقدم لك أبدأ أقل من الحب

نسجت بوفوار وهي في طريقها الى نيويورك. من هناك كتبت له

أشعر بأني بين ذراعيك، عزلاء على نحو مطلق، ولمرة واحدة أتوسل إليك أن تحتفظ بيَّ في قلبك أو تخرجني منه / ولكن لا تدعني أتشبت بحب اكتشف فجأة إنه غير موجود

ورد عليها الغوين برسالة موجزة جداً :

انتهى ذاك الحب

زارت سارتر بعد نقلـــــــه الى جناح العناية المركزية يوم 13/ نيسان وظلت تحوم حول سريره. أمسك بيدها، قال وعيناه مغمضتان

أحبك كثيراً عزيزتي بوفوار

وفي اليوم الثاني ظلت عيناه مغلقتين. أومأ لبوفوار ومنحها شفتيه، قبلت فمه ووجنتيه.
توفيت بوفوار في 14/ نيسان 1986 بسبب الاستسقاء الرئوي.

 

المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى