عن فن الشعر( مقتطفات)- جول سوبيرڤييل

 

 

 

Jules Supervielle عن فن الشعر( مقتطفات)- جول سوبيرڤييل
Jules Supervielle

عن فن الشعر( مقتطفات)
___________________________________________________________
– جول سوبيرڤييل Jules Supervielle
– ترجمة : عبدالقادر وساط
___________________________________________________________

لقد أبطأتُ في اللحاق بالشعر الحديث. في الانجذاب نحو رامبو وأبولينير. لم أكن أستطيع اجتيازَ أسوار اللهب والدخان، التي تفصل هذين الشاعرين عن الكلاسيكيين والرومانسيين. وإذا جاز لي أن أقدم اعترافا- لن يكون ربما سوى تعبير عن أمنية – فهو أنني حاولتُ أن أكون واحدا من الذين بددوا ذلك الدخان، مع الحفاظ على اللهب. كنتُ موفِّقا، وسيطا بين الشعر القديم والشعر الحديث.
*****************
ثمة، يقيناً، جانبٌ من الهذيان في كل إبداع شعري. لكنه هذيان ينبغي أن يُصَفّىٰ، وأن يَتم تخليصه من الرواسب المزعجة أو غير النافعة، مع اتخاذ جميع الاحتياطات التي تقتضيها هذه العملية الصعبة. وفيما يتصل بي، فإنني أسعى، بوضوح وشفافية، إلى التصدي لأسراري الجوهرية، وإلى تنقيح شعري في العمق. إن الهدف الذي يجب أن نتوق إلى تحقيقه هو أن يتحول ما فوق العادي إلى شيء عادي، منساب من النبع (أو أن نجعله يبدو كذلك.) أن يتحول الخارق إلى مألوف، مع الحفاظ على جذوره الأسطورية.
******************
قلما عرفتُ ذلك الخوفَ من السطحية والابتذال، الذي يلازم معظم الكتّاب. لكنني بالمقابل عرفتُ الخوفَ من الاستغلاق والغرابة. وبما أنني لا أكتب لاختصاصيين في الألغاز، فقد كنت دائما أتألم حين تستعصي إحدى قصائدي على شخص حساس.
********************
إنني أنحدر من عائلة من صغار الساعاتيين، الذين كانوا طيلة حياتهم يعملون والعدسات المكبرة مثبتة على عيونهم. كل زنبرك، مهما صغر حجمه، يجب أن يوضع في مكانه، إذا نحن شئنا أن تبدأ القصيدة كلها في الحركة أمام عيوننا.
أنا لا أنتظر لحظة الإلهام كي أشرع في الكتابة. بل أقطع أكثر من نصف الطريق باتجاه ذلك الإلهام. والحال أنه ليس بوسع الشاعر أن يبقى في انتظار تلك اللحظات النادرة جدا، التي يكتب خلالها كما لو كان يُمْلىٰ عليه. على الشاعر،في رأيي، أن يقتدي برجل العلم الذي لا ينتظر لحظات الإلهام من أجل الشروع في العمل.
**********************
هناك شعراء رائعون يحولون الكلمات إلى تحف ثمينة. أما أنا فغالبا ما أكتب دون اهتمام بالكلمات. بل إنني أجهد نفسي كي أنسى وجود الكلمات، حتى يتسنى لي أن أحيط بما يعتمل في فكري، أو بما يعتمل في تلك المنطقة الوسطى بين الفكر والحلم، والتي منها تولد القصيدة. فالشاعر حين يكتب شعرا لايفكر بالمعنى الحقيقي للكلمة، لكنه يقدم، بكيفية ما، معادلا للفكر أو توقا إليه.
***********************
لا أحبذ في الشعر( في شعري أنا على الأقل) أي مظهر من مظاهر الغنى الخارجي. أفضله غنى خفيا، مبهما بعض الشيء، جراء توهجه، إن كان له شيء من توهج. وإذا كان لا بد من حدوث الأعجوبة فلتتقدم بحذر ودون إثارة الانتباه. فإذا هي أنجزت مهمتها فلتنصرف مثلما جاءت، بحذر وبلا ضجة.
إني أحب أن أستنفد كل ما بداخلي من ميول متشابكة ومن أحاسيس موغلة في الغرابة. أومنُ أيضا بفعالية بعض الجمل النثرية داخل القصيدة، شرط أن تكون مصوغة بعناية ومحمولة بواسطة الإيقاع. فهذه الجمل بفطرتها العميقة تمنح الشعر شجى غير مألوف، في اللحظات المأساوية. إن فيكتور هوغو بعد سماعه “وقع خيول الموت السوداء” يضيف هذين البيتين اللذين هما نثر خالص، لكنهما موقعان بإتقان كبير:
إنني مثل ذلك الذي، بعد أن أسرع كثيرا
وقف على حافة الطريق ينتظر مرور العربة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى