السماء غائمة.. درجة حرارة الجو معتدلة.. كأس الشاي الأحمر على المنضدة.. عقارب ساعة الحائط تسير برتابتها المعتادة.. الحمامة البيضاء تقف على شباك النافذة وتنظر إلى الغيوم بتشكيلاتها البديعة.. تجلس على كرسيك المتحرك وفي رأسك أفكار ما بعد الدوام، ويديك تقلب صفحات الجريدة.. كالغزالة الرشيقة تتنقل عيناك بين عناوين الأخبار، وسطور الجريدة.
من جثمان طفل فلسطيني قتلته رصاصات الاحتلال.. ومباراة كرة قدم قاد فيها ليونيل ميسي فريقه برشلونة لانتصار تاريخي على ملعب السانتياغو برنابيو ضد الغريم ريال مدريد ضمن منافسات الدوري الإسباني لكرة القدم.. إلى زواج الشاب فلان من ابنة الشيخ الفلاني.. إلى أن يستقر بك الحال في إحدى قاعات عرض الأزياء في باريس والوقوف على أصغر تفاصيل سباقات الموضة العالمية الحديثة.
فكرة ما تراودك الآن بعد إتمام قراءة الجريدة بدأت تلوح في أفق غرفتك.. تتشبث بها وتخرج مسرعاً إلى الشارع.. عاصفة مطرية قادمة.. السحاب المحمل بالمطر يمشي الهوينى إلى منطقة سكنك.. تتبدد الفكرة وتعود للمنزل خوفاً من المطر.
الحمامة التي كانت على شباك نافذة غرفتك تطير بحثاً عن مكان آمن تحتمي فيه من المطر.. وأنت تعود لغرفتك من جديد.. تحتسي الشاي على كرسيك المتحرك وتنظر عبر النافذة إلى الغيوم السوداء والمطر المنهمر منها.. طيف قوس المطر البنفسجي من على الجبال البعيدة.. الريح الباردة تشتد سرعتها.. أشجار رصيف الشارع تتمايل.. وأوراق الشجر تطير لتعلق على شباك نافذة الغرفة.
خيط من الذكرى العابرة ينسل من النافذة.. عن القرية القديمة قبل السفر.. عن الأغنام المشاكسة في الممر الخلفي لبيت جدك.. والقليل من رائحة الطين الممزوج بالماء في مزرعتكم الصغيرة.. والقليل من ألوان الطائر الدوري الأصفر.
ينتهي ذلك المشهد التاريخي بسرعة.. وتعود بك الذاكرة لغرفتك بعد توقف المطر.. تتوجه مرة أخرى إلى سيارتك.. تركبها باتجاه اللا معلوم.. أنت في حالة تمزج ما بين نشوة الركض مثل الأطفال في كل اتجاه بعد المطر، وحقيقة الغريب التائه في شوارع المدينة المزدحمة.
ازدحام السيارات.. المباني.. وحتى الوجوه المزدحمة في كل شبر من هذه المدينة.. الأفكار المتزاحمة تصارع للخروج.. كل شيء يقود للمجهول.