فرناندو بيسوا – غيوم

أشخاص:
بلدان:

اليوم أمتلك وعياً بالسماء، إذ منذ أيام لم أنظر إليها لكنني أحسها، عائشاً في المدينة وليس في الطبيعة التي تحتويها غيوم غيوم. هي اليوم الواقع المركزي وهي تشغل بالي كما لو أن استخدام السماء كان من المخاطر الكبرى المحدقة بمصيري.

غيوم تمر من العارضة إلى الـ “كاستيلو”، من الغرب إلى الشرق، في صخب متفرق وعار، رثة تبدو في طليعة ما لست أدري؛ بعضها نصف- أسود، نعم، وأكثر إبطاء، تتأخر لتصبح مكنوسة من قبل الريح الجسور، سوداء من بياض قذر، كما لو كانت ترغب في البقاء، تسوّد من القدوم أكثر مما من الظل الذي تشرعه الشوارع كفضاء مصطنع بين الخطوط المغلقة للمنازل.


موجود أنا بدون أن أعرف أنني موجود وسأموت بدون أن أريد الموت إنني الفاصل بين ما أنا إياه وما لست إياه، بين الحلم وبين ما صنعته الحياة بي، وأنا القياس المجرد والجسدي بين أشياء ليست في حقيقتها بشيء، لكوني كذلك لاشيء غيوم لكم ثمة من لاطمأنينة في حالات إحساسي، كم ثمت من غم في تفكيري، كم من لا جدوى في رغباتي! غيوم غيوم تمر على الدوام، بعضها يبدو كبيراً، لأن المنازل ما كانت لتسمح برؤيتها لو كانت أقل حجماً مما تبدو، وهي في طريقها لاحتلال السماء بكاملها؛ بعض آخر بحجم غير واضح، لعلهما غيمتان يمكن اجتماعهما في واحدة ستنشطر إلى اثنين، بدون أي اتجاه في الهواء العالي فوق السماء المتعبة؛ ثمت غيوم أخرى صغيرة ما تزال، تبدو لُعباً لأشياء، كرات مختلفة للعبة باطلة، باردة، باتجاه ناحية عزلة كبرى.


أستنطق ذاتي جاهلاً إياها. لم أقم بأي عمل نافع ولن أقوم بما يمكن تبريره لقد استهلكت حصتي من الحياة التي لم أضيعها في الاعتراض الغامض على اللاشيء، محولاً إلى شعر نثري الأحاسيس غير القابلة للنقل والتي بواسطتها أجعل الكون المجهول كوني الخاص. لقد ضقت ذرعاً بي، موضوعياً وذاتياً ضقت ذرعاً بكل شيء، وبكل الكل. غيوم الكل غيوم. فوضى من الأعالي، أشياء هي اليوم وحدها واقعية بين الأرض الفارغة والسماء العديمة الوجود؛ ضباب مكثف بتهديدات ذات لون مغيب، قطع قطن وسخة في مستشفى ليس له جدران. غيوم. هي مثلي، عبور مشوه بين السماء والأرض، بمذاق زخم لامرئي، مرعد أو غير مرعد، تزين بالأبيض أو تُعتّم بالأسود ، خيالات المدى، بعيداً عن صخب الأرض وسكينة السماء غيوم غيوم تمر، تواصل المرور دائماً، ستمر دوماً مواصلة مرورها، في التفاف متقطع لخصلات معكرة، في تمدد منبت لسماء مزيفة متفككة.

من كتاب اللاطمأنينة، لفرناندو بيسوا
ترجمة المهدي أخريف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى