“سالومي أميرة يهودية من القرن الأول الميلادي، طالبت برأس يوحنا المعمدان مقابل تأديتها لرقصةٍ أمام الملك هيرود. في الكتاب المقدس (ماثيو 14 ـ 6) سردٌ لقصتها، لكنها لا تُذكَر بالاسم”.
أقصّ سويقة القرنفلة الحمراء
وأضعها في حوضِ الماء.
تطفو حيث يطفو رأسُكَ
إذ قمتُ بقطعِها.
ولكن ماذا لو أنني قطّعتُكَ إرباً
انتقاماً لتلك الظهيرات
عندما كنتُ في الخامسة عشرة
ومثل عصفورِة الجنّة
ذُبِحتُ من الوريدِ إلى الوريد بسبب ريشي.
حتى أنّ اسمي كان يوحي بجناحين،
وبقفصٍ مجدولٍ، وبالطيران.
“تعالي، اجلسي في حضني”، قلتَ لي.
شعرتُ بأنني طرتُ إليكَ،
وكنتُ عديمةَ الوزن.
كنتَ في الأربعين، ومتزوجاً.
لم يكن مهماً أنها كانت أمّي.
كانت بمثابة بابٍ يُفتَحُ نحوي.
اندمجَ ثلاثُتنا في ما يشبه الخَدَر
ملفوحين بعبير المسك، مسك أيام الآحاد.
ثمة تعرّقٌ وحلاوةٌ.
تلك الخوخة المجفّفة، وطعمُ عرقِ السّوس
عائداً أبداً إلى لساني
حيث لسانُكَ قبالة أسناني
ما يلبثُ أن يلامسَ لساني. كم من المرّات؟
رحتُ أحصي، لكنني لم أستطع أبداً أن أتذكّر.
وعندما ظننتُ بأننا سنستمرّ هكذا إلى الأبد،
وأن لا شيء سيقفُ في طريقِنا
ونحن نهربُ، بلا نهاية، من الوعي،
أتت الأوامرُ. حربٌ في الشمال.
سيفُكَ، والرتبةُ الذهبيةُ على كتفِكَ،
سترتُكَ العسكريةُ ذات الألوان الزاهية،
كما لا يشبهُ الحربَ، كما ظننتُ.
وجوادكَ! كيف امتطيتَهُ وخرجتَ من البوابة.
لا، بل كيف رقصَ ذلك الجوادُ تحتَك
على صوتِ نيرانِ المدافع.
كان بمقدوري أن أسمعَها على بُعدِ فراسخ قليلة.
كنتُ أراكَ تهوي، وجهُكَ قرمزيٌ،
والجوادُ يرقصُ بدونكَ.
وفي اللحظةِ ذاتِها
تنهّدت أمّي، واتجهت، متعثّرةً، إلى الأرجوحة،
حيث النبيذُ في الكأس ذات العنق النحيل
انسكبَ فوق العشب،
وشعرتُ أنني أتحوّلُ إلى لوحٍ خشبي بلون البراندي،
وصار جلدي آلافَ الأوتارِ المشدودةِ بقوّة
حتى إنني عندما مشيتُ إلى البيتِ
كنتُ أسمعُ الموسيقى
تتقافز خلفي
مثل شلالٍ من الحرير الصيني.
سحبتُ رسالتكَ من بين نهدي.
“سالومي”، سمعتُ صوتكَ يهمسُ،
“أيتها العصفورةُ الصغيرةُ، طِيري”.لكنني لم أفعل.
فككتُ الشرائطَ الليلكيةَ عن نهديّ
وارتميتُ فوق سريركَ.
بعدها بقليلٍ، سمعتُ خطوات أمي تقتربُ،
ورأيتُها تقتربُ من النافذة.
أطبقتُ عيناي،
وعندما فتحتُهما
مرّ ظلّ سيفٍ عبر حنجرتي،
وأمّي، المرتدية زيّ جنديّ،
انحنَت، وقبّلتني على شفتيّ.