هناكَ عذوبة طفولية
في الصباحِ الساكن.
الأشجار مدّت
أذرعها نحو الأرض.
ضبابٌ متردد
غطى الحقول المبذورة
والعناكب نسجت
دروبها الحريرية –
خيوطاً تمتد عبر البلور النقي
للهواء.
.
في أيكةِ نبات الحور
ينبوعٌ أخذ يردد
أغنيته وسط العشب.
والحلزون المسالم
مواطن الأخدود المحفور
متواضع .. وبسيط
أخذ يتأمل المنظر.
السكون الرباني
للطبيعة
أعاره إيماناً وشجاعة
– متناسياً أشجانَ منزلهِ
الوثير – أسرّ في نفسهِ عزماً
أن يرى نهاية الطريق.
.
بدأ يزحفُ حتى دخلَ
غابة اللبلابِ
والقرّاص .. وقتَ الظهر
كان هناك ضفدعان عجوزان
يتمددانِ تحتَ الشمس
بمللٍ .. يضايقان الضفدعات العجائز.
.
” هذه الأغاني الحديثة”
أحدهم تمتم ..
” بلا معانٍ. ” ” كلها هكذا
ياصاحبي” أجاب
الضفدع الآخر الذي كان
مصاباً وشبه أعمى ..
” عندما كنت صبياً .. اعتقدت
أن الربّ لو سمع أخيراً
غنائنا .. سوف يرينا
بعض الرحمة. ولكن المعرفة التي اكتسبتها
– وقد عشت وعمرت طويلاً –
دفعتني أن أطرح إيماني جانباً.
والآن .. لست أغني ثانية. ” ..
.
الضفدعانِ ابتهلا
طالبينَ الصدقة
من ضفدعة صغيرة
مرّت بغرور
مخلفةً وراءها أوراق العشب الراقصة.
.
متطلعاً في الغابة المظلمة
الحلزون أصابهُ الفزع.
حاولَ أن يصرخ. لم يقدر.
الضدعان اقتربا منه.
.
” هل هو فراشة؟ “
سألَ شبهُ الأعمى.
” هو يملك قرنين صغيرين”
أجاب الضفدع الآخر ..
” إنه الحلزون. حلزون..
هل جئت من أرض بعيدة ؟ “
.
” أنا جئت من بيتي .. وأريدُ
أن أرجعَ إلى بيتي في الحال. “
” إنه مخلوق جبان جداً !”
هتف الضفدع الأعمى.
” هل سبقَ لك أن غنيت؟” ” أنا لا أغني “
قال الحلزون. ” ولا تصلي .. أيضاً؟ “
” لا .. لم أتعلم كيف أصلي. “
” ألا تؤمن بحياةٍ أبدية ؟ “
” ماهذه ؟ “
” ماذا! أن تعيشَ دائماً
في أكثر المياه هدوءاً
بجانب تربةٍ خصبة
تنتجُ مايكفي للأكل. “
.
” عندما كنت صغيراً أخبرتني
في أحدِ الأيام جدتي المتوفاة
أنني حين أموت سوف أغادر
نحوَ الأغصان الغضة
في أكثر الأشجار علواً . “
.
” جدتك كانت ملحدةً.
الحقيقة هي ماتسمع
منّا. آمن بما نقول “
قال الضفدع الغاضب.
.
” لماذا أردت أن أرى نهاية الطريق؟”
تنهّد الحلزون. ” حسنن .. صدقتكم
و بالحياةِ الأبدية
التي تبشران بها. ” ..
.
الضفدعان
تحركا جانباً مستغرقان بالتفكير
والحلزون المرعوب
أكمل طريقه ضائعاً وسط الغابة.
.
الضفدعان الشحاذان
بقيا مثل أبي الهول.
أحدهما سأل:
” هل تؤمن بحياةٍ أبدية؟ “
” لا بالطبع ” كان الجوابُ المفجع
للضفدع المصاب الأعمى.
” إذن .. لماذا أمرنا
الحلزون بأن يؤمن؟ “
” لماذا؟ لا أدري “
قال الضفدع الأعمى.
” تملأني العاطفة فجأة
حين أسمع صوت صغاري
يتضرعون بحرارةٍ
إلى الربِ وسط مجاري الري. ” ..
.
الحلزون المسكين
حاول الرجوع. تلك اللحظة ملأتِ الطريق
أمواج الصمت
تدفقت من جوفِ أيكة نبات الحور.
صادفَ جماعةً
من النملِ الأحمر.
كانت في فوضى عارمة
يسحبنَ خلفهنَّ
نملةً أخرى
قرون استشعارها
منتزعة.
صاح الحلزون:
” أيها النملات .. تعقلنّ !
لماذا تعاملنَ بهذا الشكل
رفيقتكنّ؟
أخبرنني ماذا صنعت؟
سوف أحكم ضميري في الأمر.
أيها النملات .. أخبرنني. “
.
النملة شبه الميتة
قالت بأسى:
” رأيت النجوم. “
” ماهي النجوم؟ ” صرختِ
النملات بعصبية.
سأل الحلزونُ
– مفكراً – ” نجوم؟ “
” نعم ” أعادتِ النملة
” رأيت النجوم.
تسلقت أعلى الأشجار
في أيكةِ نبات الحور
ورأيت آلافاً من العيون
داخلَ ظلمتي. “
سأل الحلزون:
” لكن ماهي النجوم؟ “
” إنها أضواء نتقلدها
فوق رؤوسنا. “
” نحن لا نراهنّ “
علقتِ النملات.
وأضاف الحلزون: ” عيناي
لا تريان شيئا خلف الأعشاب. “
.
النملات صرخن
– ملوحاتٍ بقرونهنّ –
” سوف نقتلكِ أيتها النملة. أنتي
كسولة ومنحرفة.
قانونكِ الوحيد هنا: العمل! “
.
” رأيت النجوم “
قالتِ النملة الجريحة.
وكان حكمُ الحلزون:
” انفوها ..
أما البقية فليرجعن إلى العمل.
أغلب الظنِِ أنها ستموتُ
قريباً من الإعياء. “
.
عبرَ عذوبة الهواءِ الباعثة للغثيان
مرّت نحلة.
استنشقت النملة – وسطَ آلامِ موتها
المبرحة – رائحة المساء الضخم
وهتفت: ” هذهِ هي من سوف تأتي
لتأخذني إلى النجوم. “
.
النملات الباقيات
هربنَ بسرعة عند رؤيتها ميتة.
.
تنهدَ الحلزون
وغادر بأفكارٍ خدرةٍ
مشوشة
عن الحياةِ الأبدية. ” الطريق
بلا نهاية!” هتف قائلا ..ً
” ربما بهذا الإتجاه
يصل المرء إلى النجوم.
ولكن خطواتي الخرقاء
سوف تمنعني من الوصول.
يجب ألا أفكر بالنجوم .”
.
الضباب غطّى كل شيء
من الشروق الهزيل إلى السديم
أجراس الكنيسة البعيدة
دعتِ الناس إلى الصلاة
والحلزون المسالم
مواطنُ الأخدود المحفور
بذهولٍ ..و بدونِ سكينة
أخذ يتأملُ المنظر.
*
ترجمة / عدي الحربش