مستمعى ، ألم يمر بك وقتا كنت فيه سعيدا بلا هموم مع السعداء ، وباكيا مع الباكين ، وعندما تشوشت فكرة الرب بلا تمييز مع غيرها من المفاهيم ، اختلطت بسعادتك دون رفعها لدرجة متسامية واختلطت بحزنك ولم تخفف منه ؟
وفيما بعد ألم يمر بك وقت تلاشت فيه تلك الحياة الهادئة بلا إحساس بالذنب والتى لم يدر بخلدك فيها وقت أن ثمة حساب ؟ ألم يمر بك وقت عقم تهلع وتوقف عن الإثمار ، وباتت إرادتك عاجزة عن أي ضير ، وصارت مشاعرك باردة وضعيفة ، ومات الأمل فى صبرك ، وقبضت أصابع الذاكرة المؤلمة على ذكريات قليلة منعزلة من لحظات سعادة سرعان ما تلاشت بدورها ، عندما أصبح لاشىء يهم بالنسبة لك ، ووجدت أسس الراحة العلمانية سبيلها إلى روحك فقط كي تزيد من جراح ذهنك المجهد الذى استدار عنهما فى فراغ صبر وبمرارة شديدة ؛
ألم يمر بك وقت لم تجد فيه أي امرىء تلجأ إليه ، وخيم ظلام اليأس المصمت على روحك ولم تكن لديك الشجاعة لطرده لكنك تعلقت به وفكرت أنت فى يأسك بيأس ؟ عندما كانت السماء مغلقة أمامك وماتت الصلوات على شفتيك أو صارت الدعوات صرخات حصر تطالب السماء بحساب ، بيد أنك أحيانا كنت تجد بداخلك شوقا ، حميمية تحاول أن تعطيها معنى لكن سرعان ما سحقت بدورها على يد فكرة أنك لا شىء وأن روحك قد ضاعت فى الفضاء اللانهائي ؟ . ألم يمر بك وقت أحسست فيه أن العالم لا يفهم حزنك ولا يستطيع أن يعالجه ولا يستطيع منحك أي سلام ، وأن هذا لابد أن يحدث فى لسماء ، هذا لو استطعت أن تجد السماء فى أي مكان . ولكن للأسف بدا لك أن المسافة بين السماء والأرض لانهائية ، ومثلما نقدت أنت ذاتك فى محاولة تأمل العالم الذى لا يمكن قياسه ، فإن الرب قد نساك ولم يعد يأبه لك ؟ وبالرغم من كل هذا الكبر بداخلك يمنعك من أن تتواضع ليد الجبار الطائشة ؟ أليس الأمر كذلك ؟ وماذا تسمى هذه الحال إن لم تدعوها مواتا وكيف لا تصفها إلا بالظلامية ؟ .
اللوحة ل Drunken Noah
209 دقيقة واحدة