محمد الفخراني – فى الحب والتعرِّى

أن تتعرَّىَ لأجل شخص يحبك وتحبه، هو أن تسمح لعين مُحِبَّة بملامسة جسدك، أن تمنح جسدك الفرصة كى يشُرِق تحت هذه العين المُحِبَّة.

أنت هنا تتعرَّىَ بأمان، سلام، حب، وإحساس غامض بالفخر، تبتسم عندها، أو تضحك ضحكة خفيفة، التعرِّى لأجل مَنْ تحبه، ويحبك، اختيار كامل، حرية، بهجة، وفَرَح، أنت لا تخشى من عيوبك، لا تريد أن تظهر بمظهر الرجل الكامل، لا تريدين أن تظهرى كامرأة كاملة، هذا غير مهم، وغير موجود بالأساس، هنا لا توجد عيوب، أنت غير مشغول بأن تُثبِت لشريكك شيئًا عدا الحب، جسدك ليس تحت قسوة عين غريبة، مُتلصِّصَة، أنت فى عينٍ مُحِبَّة، عطوف، شغوف، تَقْبَل منك كل شىء، وتُقبِّله.

عندما تفعلها لمن تحب فأنت تُشرِق، تتألَّق، تمنح جسدك الفرصة ليتنفس أمام تلك العينان المُحِبَّتَيْن، يشرب من نورهما، حُنوِّهما، ومحبتهما الخالصة، حتى لو كان مَنْ ينظر إليك كفيف البصر، فإنك ستشعر بنور عينيه وحُنوِّهما على جسدك، نور روحه وحُنوِّها، هنا، أنت تمنح جسدك الفرصة ليُقلِّبَ نفسه تحت هاتين الشمسَين المُحِبَّتين، هذين القمرين العاشقين، عينا مَنْ يحبك وتحبه، تمنحه متعة النظر إليك أنت الجسد المُحِب له، ولنظرته، المُتلهِّف لأن ينظر إليك، تُمَتِّعه بك، أنت الذى تشعر معه بالأمان، بالفخر لأنك تتعرَّى له، تشعر بالماء يجرى فى روحك، تتفتَّح نوافذك كلها ويدخلها الهواء، تتنهَّد بداخلك الرغبة الرائقة، تتصاعد مثل طائر أبيض يصعد فى سمائه الخاصة على مهل، ليس هناك ما يدعو للعجلة، أو التكتُّم، أو الخجل، الفضاء لى، الوقت لى، هذى سمائى، هذا وقتى، وهذا الجسد المحبوب لى، وعيناى له، كُلِّى له.

المرأة لا تتفتَّح بشكل حقيقى لرجل لا تحبه، حتى لو دخلها مرات، يظلُّ داخلها جافًا، لن يغمرها البَلَل المحبوب، تتبلَّل المرأة داخليًا بشكل كامل مع رجل تحبه، حتى دون أن يلمسها.

يمكنك أن تتخيَّل الجسد مثل وردة، هى الروعة عندما تتفتَّح برغبتها، ثم عندما تنغلق على نفسها حاول أنت أن تفتحها رغمًا عنها، إما أن تموت هى أو تيأس أنت منها.

لجسد المرأة هشاشة الوردة وسهولتها، أيضًا له قوتها وعنادها.

أفكر فى رجل كلما مرِضَتْ زوجته بالأنفلونزا مارَسَ معها الحب كى يسحب منها الڤيروس إلى جسده وتَشْفى هى، ينجح الأمر فى كل مرة، هذا رجل يستحق التعرِّى لأجله.

أفكر فى امرأة كلما مرِضَ زوجها بمرض مُعدٍ، وطلبَ منها الطبيب ألا تشاركه طعامه حتى لا تصاب بالعدوى، أكلَتْ معه من طبقه وهى تشتم الطبيب بصوت مسموع، هذه امرأة تستحق التعرِّى لأجلها.

يحب الجسد أن يتعرَّى أمام مَنْ يحب، ينكشف له، يمارس حريته أمامه، معه، يريد لعينيه أن تلمسانه، وأن يُشْبِع فضوله عما يتخيله عن جسد الجنس الآخر، تستمتع بأنك معرفَتَه، أسئلته، وإجاباته.

يعرف الجسد العين التى تحبه، اليد التى تحبه، ويتألّق لأجلها، يطمئن معها، يمنحها أسراره، لا يخجل منها، يتحرَّر معها، لأجلها، ويتلهَّف أن يُمتعها، هذا جزء أصيل فى متعته.

التعرِّى طريقة للتعبير عن الحب وليس خطوة لممارسة الجنس.

الجسد العارى مثل حلم قابل للكسر.

أفكر فى رجل كلما توقفَتْ حبيبته فى الشارع لتشمّ وردة، اقتربَ هو بأنفه ليشمّ جانب رقبتها، تشمّ هى الوردة ويشمّ هو جسدها، يقول لها “رائحتكِ أروع من الورد”، تتفتَّح حبيبته، تبتسم الوردة وتقول “لا مكان لى هنا”.

بدون الحب، تظلّ تلك القطرة اللذيذة العجائبية بعيدة فى قعر الكأس، وحيدة، متلألأة، وفخورة بنفسها كونها بعيدة المنال، كأنما تقول “لا يمكن الوصول إلىّ إلا بالحب”.

أفكر أن الرجل الذى يضع رأسه على فخذ امرأته وينام، فكأنما يضع روحه فى يدها حتى يستيقظ، أعتقد أن الرجل لا يضع رأسه على فخذ امرأة وينام إلا لو كان يحبها.

جسدان يحبان بعضيهما سينطلقان مثل بَرْقَين فى السماء، طائران حُرَّان، لا أفكر فيهما كجسد واحد، إنما جسدَين متناغمَين، يتألَّقان، ويتفَنَّن كلٌ منهما فى إمتاع نفسه وشريكه.

التعرِّى لمن تحب هو أن تعطيه مفاتيحك كلها، وتشير إليه حيث المكان المناسب لكل مفتاح، ربما تُجرِّبان مفاتيح فى أماكن خاطئة، هذا جيد للمرح، فعندها أيضًا يبقى الأمر لطيفًا ويستدعى الضحك، بينما فى حال اختفاء المفاتيح لن يكون ثمَّة لطافة أو ضحك.

هناك مفاتيح عامة، ومفاتيح خاصة بكل امرأة، أعتقد ان المرأة لا تمنح مفاتيحها الخاصة إلا لرجل تحبه، مفاتيح لن يعرفها الرجل بمفرده أبدًا، مهما تصوَّرَ عن نفسه، لا بد أن تدلّه المرأة إليها بنفسها، هناك مفاتيح لن تكتشفها المرأة فى جسدها إلا مع رجل تحبه، كذلك الرجل، لديه ذلك الوتر الخفىّ الممتد بطول جسده، لن يرِنّ، ينبض، إلا مع امرأة يحبها، ويظلّ صدى هذا الرنين، النبض، يتردد لأجلها فى خيوط أعصابه، زوايا روحه، وقطرات دمه.

فى الجسد مناطق لا تضىء إلا لو نظرَتْ إليها عينٌ مُحِبَّة، مثلما أن هناك مشاعر لا تنبض بداخلنا إلا لأجل مَنْ نحب، وتبقى هذه المشاعر، المناطق، خرساء، مُنطفئة، حتى ننظر مَنْ نُحِب أو ينظر إلينا.

الجسد ليس وجبة نتناولها أو نقدِّمها، إنما تلخيص لجمال العالم، غوايته، وفتنته، هو حديقة خاصة، موجة من ماء، جناح مُحَلِّق، نسمة هواء، ذرة ملح، خيط عسل، موسيقا، مُلخَّص لكتاب العالم الجميل مع شروحات طويلة لأجزاء خاصة.

الجسد ليس وحشًا يحتاج الترويض، ولا مُصارِعًا يطلب النِّزال، ليس غولاً جائعًا يطلب الطعام، أو نار كامنة أحيانًا، مشتعلة أحيانًا أخرى، أرى ذلك كله خرافات كلاسيكية عن الجسد، أُفضِّل أن أراه طفلاً يطلب اللعب، المُلاطفة، اللهو، الضحك، المتعة، مع لون خفيف من المزاح والتهريج، الجسد ليس أسرارًا معقدة وعميقة، تلك خرافة أخرى، أظنه أقرب إلى مجموعة من أحجيات بسيطة، مَرِحَة، للّعب وليست للتحدى، وبالطبع مُتَوقَّع أن تكون لهذه الأحجيات حلول غير متوقعة، وغير تقليدية، بها هَزْل منطقى، أو منطق هَزْلى، هى حلول للّعب، المرح، والمتعة.

التعرِّى بالحب، هذا الشىء الرقيق، الناعم، كانزلاق الأصابع على سطح موجة عالية، كمرور شيكولاتة دافئة مُذابة فوق اللسان، الغامض مثل صوت فى غابة، الواضح مثل برتقالة فى اليد، يحرك التعرِّى شيئًا خفيفًا فى الهواء أرقّ من رفّة فراشة، فتتلاشى كل الموجودات واحدًا بعد الآخر، على مهل، وتبتسم أثناء تلاشيها، للتعرِّى رائحة خفيفة هى مزيج شفّاف من سكر الجسد وملحه، وله طعم قطرة مطر واحدة تسقط فى فم القلب.

أن تسمح لشخص بتعريتك هى درجة أعلى من أنْ تتعرَّىَ له بنفسك، يحتاج الأمر إلى درجة إضافية على الحب، ونقطة أعلى من الأمان، وأن يكون بين الطرفين صداقة شفافة، إنه ذلك الإحساس بالهدوء الكامل، والسكينة، رغم رعشة اللحظة، شىء مثل سكونٍ كامل للبحر رغم كل الكائنات والعوالم التى تحتفل بداخله، شىء يشبه النظر إلى الكرة الأرضية من الفضاء، تبدو هادئة، رغم أن بها كل هذه البحار، الأنهار، الصحارى، الغابات، الفراشات، والنَّحْلات، ولا يمكننا أن نتجاهل فى هذا كله مَسًّا خفيفًا من الشعور باللعب.

التعرِّى، خصوصيتك الرهيفة، أقرب مساحة خاصة، ملتصق بك، بجلدك، هو شىء يخصك جدًا، ملكك، حدودك، حلمك القابل للكسر، أنت هنا تقدِّمه بحب لعينٍ تحبه، روح تحبه، وهذا أقل ما يستحق: عين مُحِبَّة، وروح مُحِبَّة.

المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى