لينا كوستنكو – الشعراء هم اليوم، وغداًً، أكثر فأكثر

أشخاص:
بلدان:

الشعراء هم اليوم، وغدا ً، أكثر فأكثر،

رغم أنهم مجرد لاصقي أبيات.

كمائن نصبوها للكلمات في كل مكان

ويقبضون على الطريدة وأي كانت.

.

حين يصطاد المرء كل شيء لا على التعيين،

ينداح زعيق وصخب ورطانة ،

إذن في الأخير يرغب الإنسان أحيانا

البحث عن الشعر في مناطق الصمت.

.

ليغيّر الجمع الملّون شعره الحيواني

وليضجّ ،وليلقي السيّد المكرَّم خطبا…

ايها الشاعر ! تعلمْ البحث و العثور !

فالبيت الشعري الأجمل لايزال طليقا.

*

أنا أخاف من زميلاتي بعواطفهن المتهافتة،

أخاف الوحيدين اللاغطين ،

المحاضرين الذين تجعّد جباههم طيّات الجلد السمينة ، أنا أخاف الحكماء الأصيلين

كما ثنائي الحدود binomial الذي إكتشفوه من جديد.

يا رب !

كلمات لا حاجة إليها

تنهمر كالجريش في عينيّ

.

الجريش يلتصق بالشعر

ينزل وراء الياقة ،

يتسلل الى شقوق اللباس ،

ينحشر حتى في الحذاء

وبشكل لايطاق يخدش القدمين.

.

تجيء العصافير – الدقائق.

تنقر في قمة رأسي ، في القلب ،

تتقافز من كتف الى آخر .

أخبيء رأسي في الثوب ، أحجبُ الوجه باليدين .

لكنها تحشر مناقيرها بين الأصابع ،

تخزني في قمة الرأس ، في المخ ، في مؤخر الرأس.

تتخطر على الظهر. تتناطح فيما بينها منفوشة الأجنحة

وتتناقر بحدة.

وفي الأخير تطير ثقيلة شبعانة بالكلمات

وببطء يصبح طيرانها أفقيا.

لكن فوقي يتطاير لأمد طويل

في عاصفة الجريش زغبُ العصافير.

.

وفي الليل تأتيني الكوابيس.

كما لو أنها تأتي بين صفين من الأكياس المنتفخة

وبالكاد ألمسُ بالأصبع أحدها

ومن الثقوب ينهال الجريش ،

الجريش ،

الجريش!

وها أنه يصل الكعبين ، الركبتين ، الساعدين.

ليس هناك من هواء أتنفسه.

.

وفي الأعلى على الأغصان

تربض

عنقاء الزمن الخالدة

و في الرمل الدقيق للجريش تذرف هي الدموع.

من هذا الجريش يمكن طهي حساء

وسلقه للحم.

لكن لا يمكن بذره في الأرض ،

فهو هناك لن يلوّح للظلمة

بسيفه الأخضر ، سيف النماء.

*

تدفق الليل مثل دم مظلم

في عروق أزقة المدينة الصغيرة.

رنّت النجوم في الظلام مثل الزنابير

و البطيخ برؤوسه الكبيرة

إنضفرت سويقاته

و في صمت تعلقت بالسور…

تركتُ المحطة.

يدي عانت من الحقيبة.

على حجارة الطريق كان الزجاج يخشخش

تحت مصباح طريق نصف مهشم.

.

و ليس هناك من حيّ ، و لا من كلب أعرج .

كما لو أن المدينة الصغيرة قد ماتت.

وعلى الفور خرج من الركن إنسان.

ضخم البنية

كأنه ظلام متخثر ،

لم يخرج بل دنا

حذاؤه يضرب بقوة حجارة الطريق / رؤوس القطط

كان يلهث كالمريض أو السكير.

و شعرتُ ببخار الكحول

و سكين مظلمة ظهرت لي من أعلى الحذاء الطويل.

واصلتُ السير وأنا أرمش بعينيّ – ليكن ما سيكون –

أخذ يقترب مني.

بدا معلقا مثل غيمة.

إحتك بي بكوعه.

وقف. بدا أكثر تجهما.

قرّب وجهه من وجهي.

صرخ فجأة وكله غضب :

ليفنى شيطاننا.

ثم مضى.

.

و أنا مضيت أيضا متدفئة بإبتسامة.

و في أسفل الحديقة العامة الصغيرة

إستلقت هيئة الفندق الرمادية

كأنها جرس مصهور.

و الحارس الليلي الغافي أطلق سعلة صماء

وهو يتململ في معطفه الذي كان بلا حواف ، معطفه المصنوع من جلد الخروف.

ومن مكان ما في الحلم إنبعث أنين ذاك الطير ( أبو زريق )…

.

أبحر الليل مثل سفينة بخارية مظلمة

تتلامع بالنجوم.

و النائمون في كابيناتها

كانوا ناسا متعبين ، أنيسين… وإمتلكتني الرغبة في أن أقول لهم عبر مكبّر الصوت الفضي للصباح :

ليفنى شيطاننا ، يا ناس !

*

ترجمة: عدنان المبارك

زر الذهاب إلى الأعلى