محمد بنميلود – الوداع

علينا أن نودع بعضنا باستمرار
أن نتبادل الوداع كل حين بكثير من الصمت والحنو والنظرات الطويلة إلى الأبواب
أن نألف الوداعات
كما نألف أسرّة نومنا
كل من يخرج
ويغلق الباب
قد لا يعود
كل من يذهب الى مخبزة في الصباح الباكر، مبتهجا بيوم جديد
قد لا يعود إلى قهوته التي ستفيض على النار
أو إلى المطبخ، في عمق الليل، فقط ليشرب
قد لا يعود أبدا إلى أحلامه
ووحده الصنبور سيظل يقطّر
كل من ينام بعد أن يقول لنا: تصبحون على خير
قد لا يستيقظ أبدا
كثيرون خرجوا مبتسمين
ولم يعودوا في المساء
ولا في أي مساء
كثيرون ذهبوا
وكان الشتاء يبلل أضواء النيون
ومعاطفنا قصيرة على الرعشات
ووقفنا نتوسل إليهم بنظراتنا المبلولة
كثيرون انعكسوا في صفاء دموعنا وهم يبتعدون دون التفات
عادت الفصول في أوانها
عادت الطيور وأزهر الأصيص عند النافذة
ولم يعودوا
كثيرون، كثيرون
ناموا كالأطفال على أسرّة العجزة
لم نسمع أنينهم في الليل
لم يطلبوا ماء ولا دواء ولا حكاية نوم أخيرة
وفي الصباح
حين أشرقت الشمس
ورفرفت الفراشات في الحديقة من خلف زجاج المطابخ
وكان نهارا جميلا
وصباحا مستسلما لرائحة البن
لم يستيقظوا
لم يستيقظوا أبدا..

بكثير من الصمت
والحنو
والنظرات الطويلة إلى الأبواب
وإلى الغمام فوق محطات القطارات
وفوق المقابر في أواخر الخريف
وبالموسيقى التي بلا أغان
وبلا راقصين
علينا أن نألف الوداعات
كما نألف أسرّة نومنا
أن نسبقها
قبل أن تسبقنا..

عوض أن نقول مرحبا
علينا أن نقول دائما:
وداعا..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى