إلى سارة؛
هناك قطارٌ مِن أجل الأُمَّهات
سيظنُّ الجميعُ أنه يأخذنا إلى الفردوس
لكنَّهُ سيذهبُ بنا إلى بُحيرةٍ بيضاءَ
نغتسلُ فيها مِن العاطفة ولعنة الحنين
ننظرُ إلى أبنائِنَا فقط كبشرٍ مثلنا
ندّ لندٍّ
ننزعُ بصمات أصابعهم عن أثدائِنَا وعظامِنَا المُجهَدَةِ
السَّهر الذي خطف بريق الأعين
والشِّفاه التي ذابتْ مِن الغناء والدعاء
سيكون قطارًا سريعًا
وسنكون سعداءَ وأحرارًا
تلوِّحينَ لابنتِكِ ورَجُلِهَا المجهولِ
أتجاهلُ أبنائي وحبيباتهنَّ التافهات
سنكونُ جميلاتٍ مَرَّةً أُخرى
نكتبُ شِعرًا جديدًا
بريئًا مِن الذِّكريات والأمومة المُثقَلَةِ بالخوف والتساؤل
أُحبُّ صوت القطارات
صفيرها العالي وحديدها الحيادي
وعلى القضبان، سأُلقي سلَّة ذكرياتي كاملةً
وأغتسل في البُحيرة جيِّدًا
رُبَّما اغتسلتُ مِن أُنوثتي برمتها
أنا امرأةٌ ضعيفةٌ
وبعد رحلةٍ كهذه أودُّ أن أصير قويةً
أصفعُ الحياةَ على وجهِهَا
أُراهنُ الزَّمَنَ على حدَّتي، وأكسرُهُ على طاولة المقامرة
أنا أخافُ الموت ياسارة.
إلى مروة؛
لم أعدْ أُحبُّ السَّفر
القطاراتُ تُصيبني بالغثيان
والطَّائراتُ أيضًا.
الحنينُ سيفيضُ في البُحيرة كلَّ شهرٍ مع اكتمال القمر
لنغرق فيه كبجعاتٍ عجوزاتٍ لا تقوى على السباحة
نمتصُّ بياض البُحيرة، ونرتشفُ ذكريات بعضنا البعض
المختلطة في الماء الأبيض
ونُحاولُ إكمال السُّطور النَّاقصة في ذاكرتنا الهشة
ننتظرُ أمهاتٍ جُدُدًا يحكينَ لنا عن العالَم خارج بياض البُحيرة
أمهاتٍ لم يتخلَّصْنَ بعدُ مِن آثار العالَم على أرواحهنَّ
ولا بصمات الأبناء على أثدائهنَّ
نقيمُ لَهُنَّ حفلاتِ استقبالٍ على ضفاف البُحيرة
لِيُساعدونا على التذكُّر
على فصل متاهة الذِّكريات المتشابكة.
تصوَّري أن تمرُّي أمام أبنائِكِ ولا تعرفينهم
وتبتسم لي بناتي، فأتعجَّبُ مِن ابتسامات الفتيات الغريبات.
البُحيرة ستصهرُ كلَّ الذِّكريات يامروة لِتتَّسعَ أكثرَ
وتبتلعَ المزيد مِن الأُمَّهات
الأُمَّهات اللواتي أغوتهنَّ البُحيرة بالقوَّة والجمال
هُنَّ طعامُ البُحيرة الطَّازج حتَّى تتسع لِتبتلع الأرض
بُحيرتُكِ البيضاء يامروة
هي التي ستأتي لك بالموت.
من ديوان: وبيننا حديقة، رسائل شعرية بين سارة عابدين ومروة أبو ضيف.
صوت: محمد الشموتي
صدر الديوان عن دار روافد للنشر والتوزيع.