لماذا نرتجفُ عند الحافة؟ – لؤي أحمد

عزيزتي،

لماذا نرتجفُ عند الحافة؟ لماذا ترتعدُ أوصالنا عند النظرِ للأسفل.. من ارتفاعٍ شاهق؟

لا أعتقد إطلاقًا أنَّ السبب هو التشكُّك في ثباتِ عضلات أقدامنا، أو ثُقل رؤوسنا بالنسبةِ لأجسامنا، حتّى لو كانت هذه حقائق، فإنَّنا لا نكترث لتلكَ الحقائق في خُطواتنا العاديَّة، فلمَ نكترث بها فوق المرتفعات؟

أعتقدُ أنَّ الحرية هي السبب. تَقفين على الحافةِ ثم تُدركين مَدى هول حُريّتك، إذ بإمكانكِ إنهاء كلّ شيء بإشارةٍ بسيطةٍ من قدميكِ، أو التراجع للوراءِ على مَهلٍ. إما إنهاءً لكلِّ شيء، أو الاحتفاظ برصيد سنينٍ إضافيَّة، تُكملين فيها الماجيستير، ثم تتفرَّغين لثبيت قدميكِ في العمل، وسنوات أخرى للزواج والعلاقات والملايين من التفاصيل.

القرارُ على المحك، والحريَّة التامة على الحافَّة.. الحريَّة أكثر جلالًا من النقمة. أترين!

كلَّما أجلس في مَقهانا المُعتاد أتذكر حديثنا، الذي استفاض، ثم استحال لتحدٍ، أتذكرُ نظرةَ عيونكِ لَحظتها، ذلكَ الضيقِ في الحَدَقة، والحركة السريعة للبؤبؤ، وارتباكِ حاجبيكِ.

سألتِني ما دوافعكَ للمُغامرة؟ قلتُ الحريَّة، فكرة الإمكانية على ذلك تثير جنوني، للبناء تارة وتارة للتدمير. أنا قادر على السفر، فلمَ لا أسافر. أنا قادر على إنهاء علاقة، فلم لا أنهيها. تلحُّ فكرة الإمكانية عليّ كإلحاح مندوب مبيعات مُلحّ، وتلهو الحريَّة من ورائها لتغيظني.

كنتِ ترين دائمًا أن َّما أقوله مُجرَّد دوافع طفولية، وأنَّ المغامرة تقتضي دومًا نَقمة على الحاضر. 

لا زلتُ أتذكر جدالنا.. لذا في كلِّ مغامرةٍ أخوضها أطرح بالنقمةِ أرضًا، وأتذكركِ قائلاً: الحريَّة تكفي، وسأنجح، برغم من تشكيكِ بذلك. 

يوماً ما سأقومُ بمغامرةٍ عظيمة، سأحكي لكِ عنها، وسأذكركِ وحقيبتي على ظهري، ومن حولي ألسنة مُختلفة، وسأرسل لكِ أنّي يا مارثا لم أكره يومًا ما قد مَضى، ولم أمحُ صورَ من مرُّوا عليّ، وأني فعلتُ ما فعلتُ لدوافعي الطفوليَّة، مثل طفل يبني قلعة على الرمال، فقط لأنه يستطيع، ويدمرها بعد ذلك، لنفس السبب. وأعدك أنني سأبني أجمل قلعة. وستعيدين النَّظر.

مع حبي

*نص: لؤي أحمد

زر الذهاب إلى الأعلى